نتابع اخر درس من دروس مصطلح الحديث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
· تعريف سيء الحفظ
تعريفه: هو من لم يُرَجَّح جانب إصابته على جانب خطئه.
أنواعه: سيء الحفظ نوعان:
أ) إما أن ينشأ سوء الحفظ معه من أول حياته ويلازمه في جميع حالاته، ويسمى خبره الشاذ على رأي بعض أهل الحديث.
ب) وإما أن يكون سوء الحفظ طارئاً عليه، إما لكبره أو لذهاب بصره، أو لاحتراق كتبه، وغير ذلك، فهذا يسمى "المَخْتَلط".
كيف نعرف أنه روى عنه قبل الاختلاط أم بعده؟
· أولا: أن ينص على ذلك من قبل الأئمة والعلماء، فيقولون: فلان روى عنه قبل الاختلاط، فلان روى عنه بعد الاختلاط.
· ثانيا: إذا كان الراوي الموصوف بالاختلاط، أو التغير، قد حدَّث من كتابه الصحيح، فإن علة الاختلاط لا تضر. لماذا؟ لأن عنده كتاب يُحدِّث منه، والكتاب لا يتغير، إنما نتكلم عن الحفظ، أو ضبط الصدر، وليس ضبط الكتاب.
تقسيم الخبر بالنسبة إلى من أُسند إليه:
ينقسم الخبر بالنسبة إلى من أُسْنِد إليه إلى أربعة أقسام وهي:
- الحديث القدسي: هو المنسوب إلى الله عز وجل.
- المرفوع: هو قول الرسول، صلى الله عليه وسلم.
- الموقوف: هو قول الصحابي.
- المقطوع: هو قول التابعي.
· تعريف الحديث القُدْسي
لغة: القُدْسِيُّ نسبة إلى "القُدْس" أي: الطُّهْر، كما في القاموس، أي الحديث المنسوب إلى الذات القدسية، وهو الله سبحانه وتعالى.
اصطلاحاً: هو ما نُقِلَ إلينا عن النبي، صلي الله عليه وسلم، مع إسناده إياه إلى ربه عز وجل.
الفرق بينه وبين القرآن، فكلاهما منسوب إلى الله عز وجل:
- أن القرآن نزل به جبريل، عليه السلام، على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، أما الحديث القدسي فلا يُشترط فيه أن يكون الواسطة فيه جبريل.
- القرآن كلام الله لفظا ومعنى، والحديث القدسي معناه من عند الله، ولفظه من عند النبي، صلي الله عليه وسلم. - القرآن معجز بلفظه ومعناه، أما الحديث القدسي فليس كذلك على الإطلاق.
- القرآن مقسم إلى سور وآيات وأجزاء وأحزاب، أما الحديث القدسي فليس فيه هذا التقسيم.
- القرآن يُتَعَبَّد بتلاوته، بكل حرف منه عشر حسنات، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته.
- إن الله، عز وجل، تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن أو بمثل آية منه، ولم يرد ذلك التحدي في الحديث القدسي.
- القرآن محفوظ من عند الله، عز وجل {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9)، والأحاديث القدسية بخلاف ذلك، ففيها الصحيح، وفيها الحسن، وفيها الضعيف، بل الموضوع المكذوب، ويقولون حديث قدسي، وهو ليس كذلك، ولا هو حديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
- القرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بالإجماع، أما الأحاديث القدسية فعلى خلاف في جواز نقل الأحاديث بالمعنى، والأكثرون على جوازه. فعندنا نحن العلماء خلاف في الحديث بشكل عام: هل يجوز رواية الحديث بالمعنى أم لا يجوز، وهذا ينطبق على الحديث القدسي.
- القرآن تُشرع قراءته في الصلاة، ومن العلماء من قال: لا تصح الصلاة بدون قراءة القرآن، بخلاف الأحاديث القدسية، وهذا الذي نرجحه: أنه لا تجوز الصلاة بدون قراءة القرآن.
- القرآن لا يمسه إلا طاهر عند جمهور العلماء، ونحن نقول: يجوز مسه، بخلاف الأحاديث القدسية.
- القرآن لا يقرأه الجنب حتى يغتسل، على قول الأكثر من العلماء، بخلاف الأحاديث القدسية.
- القرآن ثبت بالتواتر القطعي، المفيد للعلم اليقيني، أنّه لو أنكر الإنسان منه حرفا أجمع القراء عليه كان كافرا، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فلو أنه أنكر شيئا منها مدعيا أنه لم يثبت فلا يكفر. أما إذا أنكر قولا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع علمه بثبوته فيكون هذا تكذيبا لرسول الله، صلىالله عليه وسلم، فيكفر الذي كذَّب
الفرق بين الحديث النبوي والحديث القدسي:
- الحديث القدسي ينسبه النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى ربه، أما الحديث النبوي فلا ينسبه إلى ربه.
- الأحاديث القدسية لا يصح أن تُروى بالمعنى، كالأحاديث الأخرى، وإلا ما الفرق بين كون الرسول، صلى الله عليه وسلم، يرويه عن ربه، فيقول: قال الله تبارك وتعالى... ولو كانت تروى بالمعنى لصارت كسائر الأحاديث الأخرى، وهذا على قول، كما قلنا.
- الحديث القدسي، كأذكار الصباح والمساء، لا نرويها بالمعنى، بل نتعبد الله بذكرها.
- الأحاديث القدسية يتعلق أغلبها بموضوعات الخوف والرجاء، وكلام الله عز وجل، مع مخلوقاته، وقليل منها ما يتعرض للأحكام التكليفية، أما الأحاديث النبوية فتتطرق إلى هذه الموضوعات، بالإضافة إلى الأحكام.
- الأحاديث القدسية قليلة بالنسبة للأحاديث النبوية.
- الأحاديث القدسية قولية، والأحاديث النبوية قولية وفعلية وتقريرية.
عدد الأحاديث القدسية:
الأحاديث القدسية ليست بكثيرة بالنسبة لعدد الأحاديث النبوية، وعددها يزيد على المائتي حديث بقليل.
مثاله:
ما رواه مسلم في صحيحه: عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله أنه قال "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمونى أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسونى أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
صِيَغُ رواية الحديث القدسي:
هناك صيغتان:
الصيغة الأولى: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه عز وجل.
الصيغة الثانية: قال الله تعالى، فيما رواه عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
أشهر المصنفات فيه:
"الإتحافات السَّنِية بالأحاديث القدسية"، لعبدالرؤوف المُناوي جَمَع فيه 272 حديثاً، منها الصحيح، ومنها الضعيف، ومنها الحسن.
"المقاصد السنية في الأحاديث القدسية" لابن بلبان المقدسي.
"الأحاديث القدسية" لابن الدبيع الشيباني.
"الصحيح المسند من الأحاديث القدسية" للشيخ مصطفى العدوي، ذكر فيه 185 حديثا قدسيا.
·
الحديث المرفوع
لغة: اسم مفعول من فعل "رَفعَ" ضد "وَضَعَ" كأنه سُمي بذلك لنِسْبَتِهِ إلى صاحب المقام الرَّفيع، وهو النبي، صلى الله عليه وسلم.
اصطلاحاً: ما أُضيف إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة، سواء كانت خُلقية أو خَلقية.
إذا، كل ما يُنسب إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، يسمى مرفوعا، سواء كان متصلا أو منقطعا، فبمجرد أن نقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسمى مرفوعا، وليس شرطا أن يكون صحيحا.
أنواعه:
المرفوع القولي.
المرفوع الفعلي.
المرفوع التقريري.
المرفوع الوصفي.
أمثلة:
- مثال المرفوع القولي: أن يقول الصحابي أو غيره: "قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذا......".
- مثال المرفوع الفعلي: أن يقول الصحابي أو غيره: "فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذا......." كنقل صفة صلاته، أو صفة حجه، وهكذا.
- مثال المرفوع التقريري: أن يقول الصحابي أو غيره: "فُعِلَ بحَضْرَة النبي، صلى الله عليه وسلم، كذا" ولا يروي إنكاره لذلك الفعل، أي يقره، صلى الله عليه وسلم.
- مثال المرفوع الوصفي لِخَلْقِه: "كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا سُرَّ استنار وجهه، كأن وجهه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك".
وعن أنس، رضي الله عنه،.قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله على رأس أربعين سنة".
- مثال المرفوع الوصفي لخُلقه: "كان خُلقه القرآن"، صلى الله عليه وسلم، "كان أشد حياء من العذراء في خدرها"، "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل"، إلى آخره.
·
الحديث الموقوف:
لغة: اسم مفعول من "الوَقف"، كأن الراوي وقف بالحديث عند الصحابي، ولم يتابع سرد باقي الإسناد.
اصطلاحاً: ما أُضِيف إلى الصحابي من قول، أو فعل، أو تقرير.
أي هو كل ما يُنسب إلى الصحابي، سواء كان قولا، أو فعلا، أو تقريراً، وسواء كان السند إليهم متصلا أو منقطعاً، فإذا قلنا: قال أبو بكر... فهذا يُسمى موقوفا.
أمثلة:
- مثال الموقوف القولي: قول الراوي، قال على بن أبي طالب رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكَذَّبَ الله ورسولُهُ"، فهذا قول لعلي.
- مثال الموقوف الفعلي: قول البخاري: "وأَمَّ ابنُ عباس وهو متيمم"، وهذا يجوز.
- مثال الموقوف التقريري: أن يفعل أمام الصحابي فعلا فيقره، كقول بعض التابعين مثلاً: "فعلت كذا أمام أحد الصحابة ولم يُنْكِر عَلَيَّ".
هل يُحْتَج بالموقوف؟
الموقوف يمكن أن يكون صحيحا، ويمكن أن يكون حسنا، أو ضعيفا، ولكن إذا ثبتت صحته،
هل هو حجة، كحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟
لا، ليس حجة؛ لأنه قول من أقوال الصحابة، ولكن إن ثبتت، فإنها تقوي بعض الأحاديث الضعيفة -كما مر في المرسل- لأن حال الصحابة كان هو العمل بالسنة، وهذا إذا لم يكن له حكم المرفوع، أما إذا كان من الذي له حكم المرفوع فهو حجة كالمرفوع.
ولكن يستأنس بقول الصحابي من تفسير قول، أو فعل، ولهذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ"، ويقول: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
·
الحديث المَقْطوُع
لغة: اسم مفعول من "قَطَعَ" ضد "وَصَلَ".
اصطلاحاً: ما أُضيف إلى التابعي، أو من دونه من قول أو فعل. والتابعي: هو من التقى الصحابة، رضوان الله عليهم.
فقول التابعي يسمى المقطوع وليس المنقطع.
أمثلة:
- مثال المقطوع القولي: ما رواه البخاري عن مجاهد وأبي العالية، في تفسير معنى استوى؛ قال أبو العالية: "استوى إلى السماء" : ارتفع، وقال مجاهد: "استوى" علا "على العرش".
حكم الاحتجاج بالمقطوع:
هو قول التابعي، وليس له حجة، وخصوصا إذا كان التابعي من المتأخرين، ولكن يُستأنس بأقوالهم في تفسير قول الله، سبحانه وتعالى، أو في تفسير قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
و الحمد لله رب العالمين.