مصطلح الحديث 15

نتابع دروس مصطلح الحديث

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


· تعريف الحديث المدرج
لغة: اسم مفعول من "أدرجت" الشيء في الشيء، إذا أدخلته فيه وضمنته إياه.
اصطلاحاً: ما أدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل.
"ما أدخل في متنه ما ليس منه بلا فصل": أي بلا فاصل بين كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبين كلام الصحابي، أو التابعي، المدرج في المتن.

أقسام المدرج:
- مٌدْرَج الإسناد.
- مٌدْرَج المتن.

1- مدرج الإسناد تعريف وصوره ومثال:
تعريفه: هو ما غُير سياق إسناده. أي: أن يكون الإسناد لمتن معين، أو لحديث معين، فيوضع لمتن آخر.
صورته: أن يسوق الراوي الإسناد، فيعرض له عارض، فيقول كلاماً من قبل نفسه، فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد، فيرويه عنه كذلك.
مثاله: قصة ثابت بن موسى الزاهد في روايته "من كثرت صلاته بالليل حَسُنَ وجهه بالنهار"، وأصل القصة أن ثابت بن موسى -وهو ليس محدثا- دخل على المحدِّث شريك بن عبد الله القاضي وهو يُمْلِي ويقول "حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم.... " وسكت ليكتب المُسْتَمْلِي، فلما نظر إلى ثابت قال "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وقصد بذلك ثابتاً لزهده وورعه، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد، فكان يحدِّث به.

2- مدرج المتن تعريف واقسام ومثال:
تعريفه: ما أُدْخِلَ في متنه ما ليس منه بلا فَصْل.
أقسامه: ثلاثة وهي
أ‌) أن يكون الإدراج في أول الحديث.
ب‌) أن يكون الإدراج في وسط الحديث.
ت‌) أن يكون الإدراج في آخر الحديث.
والإدراج في أول الحديث/المتن قليل، وأقل منه في وسط الحديث/المتن، وأكثره يكون في آخر الحديث/المتن.
مثاله: حديث أبي هريرة: "أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار".
يقول أكثر المحدثين: "أسبغوا الوضوء" هذا من قول أبي هريرة، أما حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهو "ويل للأعقاب من النار"، ففي رواية البخاري، عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم، صلى الله عليه وسلم، قال "ويل للأعقاب من النار".
أما رواية أبي قَطَن عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أَسْبِغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار". أما في رواية البخاري، ففصل بين قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإدراج أبي هريرة: قال: أسبغوا الوضوء، فإن أبا القاسم، صلى الله عليه وسلم، قال "ويل للأعقاب من النار".
قال الخطيب "وهم أبو قَطَنٍ وشَبَابَةٌ في روايتهما له عن شعبة على ما سقناه، وقد رواه الجَمٌّ الغَفير -أي أكثر من راو- عنه كرواية آدم، التي خرجها البخاري".
مثال لوقوع الإدراج في وسط الحديث: حديث عائشة، رضي الله عنها، في بدء الوحي: "أول ما بدئ بالرسول الوحي قالت: كان يتحنث في غار حراء والتحنث التعبد الليالي ذوات العدد" فقوله "والتحنث التعبد" مدرج من كلام الزهري.
مثال لوقوع الإدراج في آخر الحديث: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم "للعبد المملوك الصالح أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج، وبِرُّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك"؛ فقوله "والذي نفسي بيده.... الخ" من كلام أبي هريرة، لأنه يستحيل أن يصدر ذلك منه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يمكن أن يتمني الرَّقَّ، ولأن أمه لم تكن موجودة حتى يَبَرَّها.
"للعبد المملوك الصالح أجران"، لماذا له أجران؟ لطاعته لربه، ولطاعته لسيده. فالعبد المملوك لا يجاهد إلا بإذن سيده، ولا يحج إلا بإذن سيده.

لماذا يدرجون في المتن/الحديث، ويزيدون فيه؟
أ‌) بيان حكم شرعي. مثل حديث "أسبغوا الوضوء".
ب‌) استنباط حكم شرعي من الحديث قبل أن يتم الحديث.
ت‌) شرح لفظ غريب في الحديث. كما في "التحنث".

كيف ندرك الإدراج؟ ونعرف أن هذا من كلام الراوي وليس من كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟
يُدَرك الإدراج بأمور منها:
أ‌) وروده منفصلا في رواية أخرى. مثل ما في حديث "أسبغوا الوضوء".
ب‌) التنصيص عليه من بعض الأئمة المطلعين. أن ينص أحد أئمة الحديث على أن هذا الكلام مدرج وليس من كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ت‌) إقرار الراوي نفسه أنه أدرج هذا الكلام. كأن يُسأل الراوي: هل هذا من كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: لا، هذا من كلامي.
ث‌) استحالة كونه، صلى الله عليه وسلم، يقول ذلك. مثل "لولا الجهاد في سبيل الله والحج، وبِرُّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك".

حكم الإدراج:
الإدراج حرام بإجماع العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم، قال السمعاني: من تعمد الإدراج فهو ساقط العدالة -لأنه كذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيصير الكلام موضوعا- وهو ممن يحر ِّف الكلم عن مواضعه، وهو ملحق بالكذابين،

أشهر المصنفات في المدرج:
أ) "الفَصْلُ للوَصْل المُدْرَج في النََّقْل" للخطيب البغدادي.
ب) "تقريب المَنْهَج بترتيب المُدْرَج" لابن حجر، وهو تلخيص لكتاب الخطيب، وقد زاد عليه قدره مرتين، وهو أوسع الكتب في ذلك.

· الحديث المقلوب
تعريفه لغة: هو اسم مفعول من "القَلْب" وهو تحويل الشيء عن وجهه. قلبت الكأس، قلبت الكتاب، وهكذا، وكلام مقلوب: مصروف عن وجهه، وقلبت الرداء: حولته، وجعلت أعلاه أسفله.
اصطلاحاً: إبدال لفظ بآخر، في سند الحديث أو متنه، بتقديم أو تأخير ونحوه.
أقسامه:
ينقسم المقلوب إلى قسمين رئيسيين هما: مقلوب السند، ومقلوب المتن.
مقلوب السند: وهو ما وقع الإبدال في سنده، وله صورتان:
1- أن يُقَدَّم الراوي ويؤخر في اسم أحد الرواة واسم أبيه، كحديث مروي عن "كعب بن مُرَّة"، فيرويه الراوي عن "مُرَّة بن كعب" بالخطأ.
2- أن يُبْدِل الراوي شخصاً بآخر بقصد الإغراب: كحديث مشهور عن "سالم بن عبد الله بن عمر"، فيجعله الراوي عن "نافع عن ابن عمر" بقصد أن يُغرب الحديث.
وممن كان يفعل ذلك من الرواة "حماد بن عمرو النصيبي" الكذاب، وهذا مثاله: حديث رواه حماد النصيبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال "إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدءوهم بالسلام"، فهذا حديث مقلوب، قلبه حماد، فجعله عن الأعمش، وإنما هو معروف عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. هكذا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
وهذا النوع من القلب هو الذي يُطْلَق على راويه أنه يسرق الحديث.
مقلوب المتن: وهو ما وقع الإبدال في متنه، وله صورتان أيضاً:
1- أن يُقَدَّم الراوي ويؤخر في بعض متن الحديث.
ومثاله: حديث أبي هريرة عند مسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ من هم هؤلاء السبعة؟
الإمام العادل، ورجل قلبه معلق بالمسجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم (يمينه ما تنفق شماله) هذا القلب هنا، فالصحيح "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

ما هي الأسباب الحاملة على القَلْب؟
تختلف الأسباب التي تحمل بعض الرواة على القلب، وهذه الأسباب هي:
‌أ) قصد الإغراب ليرغب الناس في رواية حديثه والأخذ عنه.
‌ب) قصد الامتحان، والتأكد من حفظ المحدث وتمام ضبطه.
‌ج) الوقوع في الخطأ والغلط من غير قصد.
ومثال ذلك: ما رويناه عن إسحاق بن عيسى الطباع قال: حدثنا جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"، قال إسحاق بن عيسى: فأتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث، فقال: وَهِمَ أبو النضر -يعني جرير بن حازم- إنما كنا جميعا في مجلس ثابت البُناني، وحجاج بن أبي عثمان معنا، فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني"، فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس.
فهو ظن أن الحديث عن ثابت عن أنس، والصحيح أن الحديث عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه. وبهذا تبين انقلاب السند على الراوي، وأنه جعل المتن لغير السند الذي روي له.

ما هو حكم القلب؟
أ) إن كان القلب بقصد الإغراب، فهذا لا يجوز؛ لأن فيه تغييراً للحديث، وهذا من عمل الوضاعين.
ب) وإن كان بقصد الامتحان، فهو جائز؛ للتثبت من حفظ المحدث وأهليته، وهذا بشرط أن يُبَيَّنَ الصحيح قبل انفضاض المجلس.
ج) وان كان عن خطأ وسهو، فلا شك أن فاعله معذور في خطئه، لكن إذا كثر ذلك منه فإنه يُخِلُّ بضبطه، ويجعله ضعيفاً.
أما الحديث المقلوب فهو من أنواع الضعيف المردود.

أشهر المصنفات فيه:
كتاب "رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب" للخطيب البغدادي، والظاهر من اسم الكتاب أنه خاص بقسم المقلوب الواقع في السند فقط.

· المضطرب في الحديث
المضطرب لغة: هو اسم فاعل من الاضطراب" وهو اختلال الأمر وفساد نظامه، وأصله من اضطراب الموج، إذا كثرت حركته وضرب بعضه بعضاً.
اصطلاحاً: ما رُوِيَ على أَوْجٌهٍ مختلفة متساوية في القوة.

شروط الاضطراب:
1- اختلاف روايات الحديث بحيث لا يمكن الجمع بينهما.
2- تساوي الروايات في القوة، بحيث لا يمكن ترجيح رواية على أخري.

أقسام المضطرب:
1- مضطرب السند: ومثاله: حديث أبي بكر، رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله، أَرَاكَ شِبْتَ، قال "شَيَّبَتْني هٌوْدٌ وأخواتها".وهي: "الواقعة"، و"المرسلات"، و"عم يتساءلون"، و"إذا الشمس كورت".
2- مضطرب المتن: ومثاله: ما رواه الترمذي عن شَرِيك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، رضي الله عنها، قالت "سئل رسول الله، صلي الله عليه وسلم، عن الزكاة فقال "إن في المال لَحَقا سِوَى الزكاة"،

مِمَّن يقع الاضطراب؟
أ) قد يقع الاضطراب من راو واحد، بأن يَرْوِي الحديث على أوجه مختلفة.
ب) وقد يقع الاضطراب من جماعة، بأن يَرْوِي كل منهم الحديث على وجه يخالف راوية الآخرين.

سبب ضعف المضطرب:
وسبب ضعف المضطرب أن الاضطراب يُشْعِر بعدم ضبط رواته.
أشهر المصنفات فيه:
كتاب "المُقْتَرِب في بيان المضطرب" للحافظ ابن حجر.

و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
و الحمد لله رب العالمين.