مصطلح الحديث 7

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

درسنا عن الحديث الحسن

o الحديث الحسن
لغة: هو صفة مشبهة من "الحُسْن" بمعنى الجَمال. ‏
اصطلاحا: كما ذكرنا، اختلف العلماء في تعريف الحديث الحسن، لأن الحديث الحسن، ليس بالصحيح، ولا بالضعيف، فهو وسط بين الصحة والضعف. فلم يختلف العلماء في تعريف الحديث الصحيح، ولم يختلفوا في تعريف الحديث الضعيف، لأنه إذا فقد الحديث شرطا من شروط الصحة، كالاتصال، أو العدالة، أو الضبط، أو كان فيه شذوذ، صار ضعيفا، وهكذا
والحديث الحسن بين وبين، كما يقولون، ولهذا عرَّف الخطابي، وهو من أئمة الحديث، وشرح صحيح البخاري، فقال "الحسن ما عُرِفَ مَخْرَجُهُ، واشتهر رجاله، وعليه مَدَار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله ‏أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء ‏وعليه مَدَار أكثر الحديث"، يقصد أن أكثر الأحاديث حسنة.

شروط الحديث الحسن
الشرط الأول: ألا يكون في إسناده متهم بالكذب.
الشرط الثاني: ألا يكون شاذا. وقلنا إن الشذوذ: ما رواه الثقة مخالفا لمن هو أوثق منه.
الشرط الثالث: يُروى من غير وجه. أي: يكون له طريق أخرى. فعن ماذا يتكلم هنا؟ عن الحسن لغيره، وليس عن الحسن لذاته، والأصل في تعريف الحديث الحسن أن نعرِّف الحديث الحسن لذاته وليس الحسن لغيره.

الفرق بين الحسن والصحيح
للحديث الحسن خمسة شروط، كالحديث الصحيح، ويختلف الحسن بكون راويه خفيف الضبط لا تام الضبط كما هو راوي الحديث الصحيح. فإذا كان الراوي خفيف الضبط كان حديثه حسنا، ولكن إذا كان كثير الوهم، أو غير ضابط، كان حديثه ضعيفا.

أقسام الحديث الحسن
1- الحسن لغيره: "الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث - أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق - ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا".
ولم تتحقق أهليته، أي: أن حديثه غير صحيح.
ليس كثير الخطأ: فمن كان كثير الخطأ كان حديثه ضعيفا.
ولا هو متهم بالكذب، أي: متهما في عدالته.
من وجه آخر، أي: أن الحديث حسن لغيره.
2- الحسن لذاته: "أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا ويعتبر في كل هذا - مع سلامة الحديث من أن يكون شاذا ومنكرا - سلامته من أن يكون معللا".
فلا يُعد حديثه منكرا، أي: موافق لغيره من الأئمة.
مثالا للحديث الحسن: ما رواه الإمام أحمد في مسنده، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن بهز بن حكيم بن معاوية قال: حدثني أبي عن جدي قال: قلت: يا رسول الله، من أبرُّ؟ قال: "أمك"، قلت: ثم منْ؟، قال: "أمك"، قلت: ثم منْ؟، قال: "أمك"، قلت: ثم منْ؟، قال: "ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب".
فهذا الحديث سنده متصل، ولا شذوذ فيه، ولا علة قادحة، حيث لم يقع في هذه السلسلة أي اختلاف بين الرواة، ولا في المتن، والإمام أحمد، وشيخه يحيى بن سعيد القطان إمامان جليلان، وبهز بن حكيم: من أهل الصدق والصيانة، حتى أن علي بن المديني ويحيى بن معين والنسائي وثَّقوه، لكن استشكل العلماء بعض مروياته، حتى تكلم فيه شعبة بن الحجاج بسبب ذلك، وهذا لا يكسبه صفة الضبط، ولكنه يُشعر بأنه خفَّ ضبطه، ووالده: حكيم، وثَّقَه العجلي وابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس، فيكون حديث بهز هذا: حسنا لذاته، كما حكم العلماء عليه، وهو من أعلى مراتب الحسن (بهز بن حكيم عن أبيه عن جده).

يرتقي الحديث الضعيف إلى درجة الحسن لغيره بأمرين، هما:
1- أن يُروَى من طريق آخر فأكثر، على أن يكون الطريق الآخر مثله أو أقوى منه.
2- أن يكون سبب ضعف الحديث سوء حفظ الراوي، أو انقطاع في السند، أو جهالة رجاله. أي لا يكون الضعف في العدالة.

أيهما الأقوى: أن نقول: إسناد صحيح، أم: حديث صحيح؟
الأقوى قولنا: حديث صحيح؛ لأنه أجمع الشروط الخمسة للحديث الصحيح: اتصال، عدالة، ضبط، عدم شذوذ، عدم علة.
وإذا قيل: إسناده صحيح، فيتضمن ثلاثة شروط: اتصال، وعدالة، وضبط، لأني حكمت على الإسناد فقط، ولم أحكم على المتن بالشذوذ أو العلة، لأن الحكم على الإسناد بالصحة لا يلزم عنه صحة المتن لما قد يلحق بالمتن من شذوذ أو علة.

حكم الحديث الحسن:
الحديث الحسن: مقبول عند الفقهاء كلهم، في الاحتجاج به، والعمل به، وعليه معظم المحدثين والأصوليين، ففي الاحتجاج به هو مثل الحديث الصحيح، وإذا حسَّن العلماء الحديث، فيجب العمل به، كالحديث الصحيح تماما.

o الصحيح لغيره
تعريفه: الصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا رُويَ من طريق آخر مثله أو أقوى منه. وسُمِّي صحيحاً لغيره لأن ‏الصحة لم تأتِ من ذات السند، وإنما جاءت من انضمام غيره له. ‏
مرتبته: هو أعلي مرتبة من الحسن لذاته، ودون الصحيح لذاته.‏
مثاله: حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ‏قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".
قال ابن الصلاح: فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم ‏يكن من أهل الإتقان حتى ضعّفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه ‏وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن، فلما انضم إلى ذلك كونه رٌويَ من أوجه أٌخََرَ زال ‏بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النقص اليسير، فصح هذا ‏الإسناد، والتحق بدرجة الصحيح‏.

o الحسن لغيره
هو الحديث الضعيف إذا تعددت طرقه، ولم يكن سبب ضعفه فسق الراوي أو كذبه.
مرتبته: الحسن لغيره أدنى مرتبة من الحسن لذاته. ‏
وينبني على ذلك أنه لو تعارض الحسن لذاته مع الحسن لغيره قُدَّمَ الحسن لذاته. ‏
حكمه: مقبول، كالحسن لذاته، وكذا في الاحتجاج به.
مثاله: ما رواه الترمذي وحسّنه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ‏ربيعة عن أبيه: أن امرأة من بني فَزَارَةَ تزوجت على نَعْلَيْنِ -أي مهرها- فقال رسول الله، صلي الله عليه ‏وسلم "أرضيتِ من نَفْسِكِ ومالِكِ بنعلينِ؟" قالت: نعم، فأجاز". ‏قال الترمذي: وفي الباب عن عُمر، وأبي هريرة، وعائشة، وأبي حَدْرَدٍ. فجاءت أكثر من رواية في ذلك الموضوع، وهو: التخفيف في المهر.
قال: فعاصم هذا ضعيف لسوء حفظه، وقد حسن له الإمام الترمذي هذا الحديث لمجيئه من غير وجه ‏. فسمِّي: حسنا لغيره.

و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.