بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
موضوع الدرس الاحتجاج بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
هل يمكن أن يستغني القرآن عن السنة؟
ولا يمكن أن تستغني السنة عن القرآن.والسنة من القرآن فهي مبيِّنة وشارحة للقرآن تُفصِّل مُجمله وتُوضِّح مشكله وتقيِّد مُطلقه؛ فيها: تقيد المطلق، تخصيص العام، توضيح المشكل، تفصيل المجمل، -أي ما جاء مُجملا في القرآن توضحه السنة وتُفصله-؛ ولهذا يقول الله عز وجل {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
الرد على قول: علينا بالقرآن فقط، لا نريد غير القرآن، ويكفينا القرآن والقرآن بيان لكل شيء
صحيح أنه بيان لكل شيء فجاء القرآن يرشدنا إلى السنة، فلماذا لا نعمل بالسنة؟
ولهذا كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضره جبريل بالسنة التي تفسر ذلك
السنة استقلت بالتشريع أيضا، فهناك أحكام شرعية كثيرة، جاءت بها السنة مستقلة. وذلك كتحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، فقد جاء في القرآن تحريم الجمع بين الأختين ولكن لم يرد تحريم الجمع بين المرأة وعمتها؛ وقد حرّمَ هذا الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها"،كذلك تحريم سائر القرابات من الرضاعة إلحاقا لهن بالمحرمات بالنسب، فهذا ما نص عليه القرآن.
من الأدلة على وجوب الرجوع إلى سنة رسول الله وأننا لا يمكن أن نستغني عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
استفاض القرآن والسنة الصحيحة الثابتة بحجية كل ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ﴿آل عمران: ٣١﴾، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ} إذا أنتم صادقين في محبة الله {فَاتَّبِعُونِي} أي اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، في الأحكام الشرعية، في الحلال في الحرام، في كل ما أمر به وفي كل ما نهى عنه، سواء كان في القرآن أو في غير القرآن.
أيضا، قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ﴿النساء: ٥٩﴾.
قول الله سبحانه وتعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ﴿النساء: ٦٥﴾، فيقسم الله عز وجل أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، لا يكون في نفوسهم حرج أو اعتراض ولو نفسي، وما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم يشمل ما كان بقرآن أو سنة؛ وقد دلت الآية على أنه لا يكفي في قبول ما جاء به القرآن و السنة الإذعان الظاهري بل لا بد من الاطمئنان والرضا القلبي قال سبحانه وتعالى {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} ﴿النساء: ٨٠﴾، فقد جعل الله سبحانه وتعالى طاعة الرسول من طاعته وحذَّر من مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الله سبحانه وتعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ﴿النور: ٦٣﴾، فلولا أنّ أمره حجّة ولازمة لما توّعد على من خالف الرسول بالنّار.
وأيضا قال سبحانه وتعالى {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا} ﴿الأحزاب: ٢١﴾.
وقال سبحانه وتعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ﴿الحشر: ٧﴾، وقد جعل سبحانه أمر رسوله واجبٌ له ونهيه واجب الانتهاءُ عنه.
عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته -أي على سريره- يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع، ولا لُقْطَة معاهدٍ، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه -أي يضيفوه-، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قِرَاه"؛ فيحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الذي يقول عليكم بالقرآن فقط.
عن العرباض بن سارية قال رضي الله عنه "وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب، و ذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا قال: أوصيكم بتقوى الله، و السمع و الطاعة، و إن تأمر عليكم عبد، و أنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي، و سنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، و إياكم و محدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"
عن ابن عباس الذي رواه الحاكم في مستدركه أن النبي خطب في حجة الوداع فقال "إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، و لكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروا، إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، كتاب الله، و سنة نبيه"،
والحمدلله رب العالمين