اتابع دروس مصطلح الحديث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تكلمنا عن المعلق وعن المرسل وفي هذه المحاضرة إن شاء الله سنتكلم عن الحديث المعضل.
·
المعضل:
تعريفه:
لغة:اسم مفعول من أعضله بمعنى أعياه، أعياه أي أتعبه.
اصطلاحا: ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي.
إذن لما نقول هذا حديث معضل أي سقط من حديثه راويان على التوالي أما إذا سقط راوٍ فيسمى منقطعا.
مثال الحديث المعضل
ما رواه الحاكم في معرفة علوم الحديث، بسنده إلى القعنبي عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق"، قال الحاكم "هذا معضل عن مالك أعضله هكذا في الموطأ"، مالك رحمة الله عليه لم يلتق بأبي هريرة رضي الله عنه، إذن هناك انقطاع بين الإمام مالك وبين أبي هريرة،كم راويا سقط بين الإمام مالك وبين أبي هريرة؟ قيل هنا سقط اثنان على التوالي، فهذا الحديث معضل، لأنه سقط منه اثنان متواليان، بين الإمام مالك وأبي هريرة، كيف عرفنا أن الساقط اثنان؟ فقد جاء في إحدى الروايات خارج الموطأ عن مالك عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة، أي اثنين، ولهذا سمي هذا معضلا.
حكم المعضل
ضعيف، لأنه سقط منه راوٍ أو أكثر، وهو أسوأ حالا من المرسل والمنقطع، لكثرة المحذوفين من الإسناد، وهذا
***لا يوجد كتاب خاص بالمعضل، ولكن ممكن يوجد مثلا في:
-كتاب سنن لسعيد بن منصور، خصوصا المعضل، المنقطع، المرسل،
- مؤلفات ابن أبي الدنيا مثل كتاب: الإخلاص، ذم الدنيا؛ ابن أبي الدنيا له كتب كثيرة ولكن أكثرها في الفضائل، فهو يستشهد، بالأحاديث المنقطعة، الأحاديث المعضلة، المرسلة.
· المنقطع
لغة: اسم فاعل من الانقطاع، ضد الاتصال، منقطع أي غير متصل.
اصطلاحا: ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه، - أي المنقطع الذي لا يتصل إسناده مطلقا-.
ومثال المنقطع:
عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف وإن وليتموها عمر فقوي أمين لا يخاف في الله لومة لائم وإن وليتموها عليا فهاد مهتد يقيمكم على صراط مستقيم".
سقط من هذا الإسناد رجل من وسط الإسناد وهو شريك بن عبد الله، سقط ما بين الثوري وأبي إسحاق، فالأصل عن الثوري عن شريك عن أبي إسحاق، والثوري لم يسمع من أبي إسحاق مباشرة، وإنما سمعه من شريك بن عبد الله، وشريك سمعه من أبي إسحاق التابعي، فهذا الانقطاع لا ينطبق عليه اسم المرسل ولا المعلق ولا المعضل، إذن يسمى منقطعا.
حكم المنقطع
ضعيف بالاتفاق، للجهل بحال الراوي المحذوف، فلا نعرف من هو الراوي الذي سقط، هل هو ثقة؟ هل هو ضعيف؟ ليس معروفا
- إذا كان من أول السند من جهة المصنف يسمى معلقا،
- إذا كان منقطعا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم يسمى مرسلا،
- إذا كان من وسط السند، إذا كان من وسط السند اثنين فأكثر يسمى معضلا
· التدليس
لغة: المدلس، اسم مفعول من التدليس، والتدليس في اللغة كتمان العيب في السلعة عن المشتري، وأصل التدليس مشتق من الدلس، وهو الظلمة، أو اختلاف الظلام، فكأن المدلس، لتغطيته على الوقف على الحديث أظلم أمره، فكان حديثا مدلسا.
اصطلاحا: إخفاء عيب في الإسناد، وتحسين لظاهره، ثم ينقسم التدليس، إلى قسمين رئيسيان:
القسم الأول:تدليس الإسناد
القسم الثاني:تدليس الشيوخ
تدليس الإسناد: هو: أن يروي الراوي عن من قد سمع منه ما لم يسمع منه، من غير أن يذكر أنه سمعه منه؛
مثال: على فرض أنني أشرح أول كتاب في صحيح الإمام البخاري، كتاب بدأ الوحي، ثم الثاني كتاب الإيمان، ثم الثالث كتاب العلم، فجاء طالب ونحن نقرأ، قال يا أستاذ أنا أستأذن أريد أن أذهب لأهلي، فسافر لمدة شهر، فلما سافر هل سنتوقف، عن التدريس، لا، لن نتوقف؛ ففاته كتاب الطهارة، ولما رجع انتهينا من كتاب الطهارة، وبدأنا في كتاب الصلاة، الآن هو سمع مني أي كتاب، بدء الوحي والإيمان والعلم، فيقول حدثنا شيخي باسم في كتاب العلم، وبدء الوحي والإيمان، أما في كتاب الطهارة فسأل الطلاب الذين معه، قال لهم حدثوني، بكتاب الطهارة الذي حدثكم الشيخ باسم فيه، فحدثوه، فالمفروض يقول حدثني محمد –زميله-،حدثه الشيخ باسم، في أي كتاب، في كتاب الطهارة، أما في كتاب العلم فيقول، حدثني الشيخ باسم؛ أما لو أتى في كتاب الطهارة الذي لم يسمعه مني، وسمعه من شخص ثانٍ فقال "عن باسم..."، فهذا يسمى تدليسا، ولهذا، أن يروي الرواي، عن من قد سمع منه، وهذه الأحاديث ما سمعها منه، "ما لم يسمع منه"، من غير أن يذكر، أنه سمعه منه، لا يقول حدثنا، يقول "عن"، "قال"، قالوا لما قال؟ نحن نقول قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم، أما لو قلت، حدثني رسول الله، هذا غير صحيح، أما عندما أقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات..."، فهذا صحيح، طيب من حدثني؟ الآن ممكن أذكر من حدثني، وممكن ما أذكر من حدثني، أو عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، -اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد رسول الله-، وقال: عن رسول الله "إنما الأعمال بالنيات..."، هذا الفرق بين المدلس وغير المدلس، إذن نفس التدليس، ليس جرحا، يعني لا يجرح الراوي التدليس، لأنه ما قال حدثني فلان ما قال حدثني مالك مثلا، بل قال: "قال مالك"، أو "عن مالك"، فإذن ما سمعه من مالك وقال، ولهذا قلنا "وصورته أن لا يسمي الراوي شيخه، الذي سمعه منه، بل يروي عن من فوقه بلفظ، يوهم السماع، ولا، يحكم عليه بالكذب".
***تدليس الإسناد يتفرع عنه أنواع من التدليس.
أهمها تدليس التسوية، أن يروي الراوي عن شيخه، بصيغة حدثنا وأخبرنا، ثم يسقط ضعيفا بين ثقتين لقيَ أحدهما الآخر، الآن المدلس، الأصل أن يسقط شيخه، لكن في تدليس التسوية يسقط من يروي عن شيخه، يحدثنا، ثم بعد شيخه، يسقط واحد أو أكثر، لقي أحدهما الآخر، وعادة يكون هذا الساقط ضعيفا،
مثال لتدليس التسوية، ما رواه ابن أبي حاتم في العلل: قال سمعت أبي وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهوية عن بقية قال حدثني أبو وهب الأسدي، عن نافع عن بن عمر قال: "لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه"، أبو وهب الأسدي ثقة، ونافع ثقة، ابن عمر صحابي، فمن ينظر إلى الإسناد يقول هذا الإسناد نظيف صحيح، ولا يعرف أنه فيه علة. قال سمعت أبي، أي أبو حاتم، لأنه الرواي ابن أبي حاتم، "وقال أَبي : هذا الحديث لهُ علة، قلَّ من يفهمها"، روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليهِ وعلى آله وسلم، من أسقط؟ أسقط إسحاق ابن أبي فروة، من الإسناد، وعبيد الله بن عمرو، كنيته أبو وهب وهو أسدي، فكناه بقية، ونسبه إلى بني أسد، كي لا يتفطن له، لماذا؟ أبو وهب الأسدي أصلا مشهور بعبيد الله بن عمرو، فكناه بأبي وهب والأسدي حتى لا نعرفه، أو نبحث عنه، إذن هذا تدليس التسوية، إسقاط ضعيف بين ثقتين لقيَ أحدهما الآخر.
تدليس الشيوخ: تعريفه هو أن يروي الراوي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه، أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يعرف به، كي لا يعرف، مثاله قول، أبي بكر ابن مجاهد أحد أئمة القراء حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، يريد به أبا بكر ابن أبي داود السجستاني، إذن تدليس الشيوخ ما فيه إسقاط.
مثاله: قول أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء: "حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله"، و عبد الله بن أبي عبد الله كثُر، فمن هو الذي يقصده؟ يريد به أبا بكر بن أبي داود السجستاني .
إذن: تدليس الشيوخ ليس فيه إسقاط لراو، أما في تدليس الإسناد، وتدليس التسوية، فيُسقط الراوي بعض الرواة، ثم يروي عن شيخ شيخه، بصيغة تحتمل السماع، مثل: قال، أو: عن فلان، أو: ذكر فلان، وهكذا.
حكم التدليس
- أما تدليس الإسناد فمكروه جدا، ذمَّه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذما له، فكان يقول التدليس أخُ الكذب،
- وأما تدليس التسوية فهو أشد كراهة منه، حتى قال العراقي "وهو قادح فيمن تعمد فعله"،
- وأما تدليس الشيوخ فكراهته أخف من تدليس الإسناد، لأن المدلس، لم يسقط أحدا، وإنما الكراهة بسبب تضييع المروي عنه، وتوعير الطريق على السامع.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
و الحمد لله رب العالمين.