مصطلح الحديث 9

نتابع دروس مصطلح الحديث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

· المردود بسبب سقط في الإسناد:
المراد بالسقط من الإسناد: الانقطاع، انقطاع سلسلة الإسناد بسقوط راو أو أكثر عمداً من بعض الرواة أو عن غير عمد، ‏من أول السند أو من آخره أو من أثنائه، سقوطاً ظاهراً أو خفياً‏.

أنواع السقط:
أ‌) سَقْط ظاهر: وهذا النوع من السقط يشترك في معرفته الأئمة وغيرهم من المشتغلين ‏بعلوم الحديث، ويعرف هذا السقط من عدم التلاقي بين الراوي وشيخه. كمعرفة أن هذا الراوي لم يعاصر شيخه، أو لم يلتق به، أو ليست له منه إجازة، ولا وجادة، لذلك يحتاج الباحث في الأسانيد إلى معرفة تاريخ الرواة لأنه يتضمن بيان مواليدهم، ووفياتهم، وأوقات طلبهم، وارتحالهم، وغير ذلك.
وقد اصطلح علماء الحديث على تسمية السقط الظاهر بأربعة أسماء، بحسب مكان السقط أو ‏عدد الرواة الذين أُسقطوا، وهي: ‏
‏1-‏ المٌعَلَّق. ‏
‏2-‏ المٌرْسَل. ‏
‏3-‏ المٌعْضَل. ‏
‏4-‏ المٌنْقَطِع. ‏

ب) السقط الخفي:
وهذا لا يدركه إلا الأئمة الكبار، المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد، وله تسميتان، ‏وهما: ‏
‏1-‏ المٌدَلَّس. ‏
‏2-‏ المٌرْسَل الخفي. ‏

المعلق:
تعريفه:
لغة: هو اسم مفعول من "علق" الشيء بالشيء أي ناطه وربطه به وجعله معلقاً. ‏وسمي هذا السند معلقاً بسبب اتصاله بالجهة العليا فقط، وانقطاعه من الجهة الدنيا، ‏فصار كالشيء المعلق بالسقف ونحوه.
اصطلاحاً: ما حُذف من مبدأ إسناده راو فأكثر على التوالي، من جهة المصنف. فمبدأ الإسناد يكون من جهة المصنف، إذ يبدأ المصنف بالقول عن فلان عن فلان عن فلان إلى أن يصل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
صوره:
أ) أن يحذف جميع السند، ثم يقول المصنف، كالبخاري، مثلا: "قال رسول الله، صلي الله عليه وسلم: كذا"، ‏فهذا يُسمى معلقا؛ لأن هناك رواة بين البخاري وبين الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يذكرهم البخاري.
ب) ومنها أن يحذف كل الإسناد إلا الصحابي، أو إلا الصحابي والتابعي، مثل أن يقول البخاري: عن أبي هريرة قال قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذا. أو: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذا.
مثاله: ‏
ما أخرجه البخاري في مقدمة "باب ما يُذْكَر في الفَخِذ"، أي فخذ الرجل، هل هو عورة أو ليس بعورة، فالإمام البخاري، هنا، لم يجزم، فهو، في مرات كثيرة، يجزم بالحكم، أما هنا فلم يجزم، فقال: "وقال أبو موسي (الأشعري، وهو الصحابي ): غَطَّى النبي، ‏صلى الله عليه وسلم، ركبتيه حين دخل عثمان".‏
فهنا قال البخاري: قال أبو موسى، بينما بين البخاري وأبي موسى ما لا يقل عن أربعة رجال، فهذا يُسمى معلقا.
فهذا الحديث أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان مضجعا في بيت عائشة، وكان، صلى الله عليه وسلم، كاشفا عن ركبتيه، فدخل أبو بكر، فظل كاشفا عنهما، وكذا عند دخول عمر، فلما دخل عثمان غطى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما بالك غطيت فخذيك لما دخل عثمان، ولم تغطها لما دخل أبو بكر وعمر، فقال "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة"، ولهذا قال بعض العلماء: أن الفخذ ليس بعورة، لماذا؟ لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان كاشفا فخذيه، لو كان عورة لما كشفهما، وغطى الرسول، صلى الله عليه وسلم، فخذيه استحياء وليس وجوبا.
وذهب كثير من العلماء إلى أن الفخذ عورة، والدليل على ذلك: حديث معمر "يا معمر، غط فخذيك فإن الفخذين عورة".
ولهذا نرى البخاري لا يجزم، فقال "ما يُذكر في الفخذ"، إذ لديه أدلة هنا، وأدلة هناك. فهذا الحديث معلق لأن البخاري حذف جميع الإسناد إلا الصحابي، وهو: أبو موسى الأشعري.
حكم الحديث المعلق: هو حديث منقطع، فهو ضعيف، لماذا؟ لأنه فقد شرطا من شروط القبول، وهو: اتصال السند، وذلك بحذف راوي أو أكثر من إسناده، مع عدم علمنا بحال هذا الراوي المحذوف. هذا بشكل عام، انتبهوا، أن المعلق ضعيف.

المرسل:
هو أيضا ظاهر انقطاع السند. وهو عكس المعلق، فالمعلق ينقطع فيه السند من جهة المصنف، أما المرسل فينقطع فيه السند من جهة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أي من جهة الصحابي والتابعي.
تعريفه:
المرسل لغة: هو اسم مفعول من "أرسل" بمعنى "أطلق"، فكأن المُرسِل أَطْلَقَ الإسناد، ولم يقيده براوٍ ‏معروف. ‏
اصطلاحاً: هو ما سقط من آخر إسناده راوي أو أكثر، من بَعْدَ التابعي‏.
وقد قلنا أن هناك الصحابي، ثم التابعين، فعادة ما يروي التابعي عن الصحابي، والصحابي يروي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيأتي الآن التابعي فيقول ك قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كذا.
فهذا التابعي لم يلتق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فهل يكون الحديث متصلا؟ لا، بل منقطعا، فهذا التابعي، ممن أخذ الحديث؟ هل أخذه عن صحابي؟ لا ندري، هل أخذه عن تابعي مثله؟ لا ندري، وإذا أخذه عن تابعي، فهل هذا التابعي ضعيف أم ثقة، وهكذا. فالمرسل: هو ما سقط من آخر إسناده راو أو أكثر من بعد التابعي.
صورته:
وصورته أن يقول التابعي -سواء كان صغيراً أو كبيراً- قال رسول الله، صلى الله عليه ‏وسلم، كذا، أو فعل كذا أو فُعِل بحضرته كذا، وهذه صورة المرسل عند المحدثين.
انتبهوا، التابعون أنواع، قسمهم العلماء إلى أقسام: كبار التابعين، وصغار التابعين، وأواسط التابعين.
ما معنى كبار التابعين؟ أي التقى بعدد كبير من الصحابة، بمائة صحابي أو أكثر، فأكثر رواية كبار التابعين، تقريبا، عن الصحابة.
وهنا أواسط التابعين، كمن التقى بعشرين صحابي، مثلا، فمعظم رواياتهم تكون عن تابعين مثلهم، من كبار التابعين.
وهناك صغار التابعين، الذي التقوا بصحابي أو اثنين، وهؤلاء روايتهم تكون، عادة، عن تابعين مثلهم.
مثاله:
عن الحسن البصري، رحمة الله عليه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع". ‏
فالحسن البصري تابعي، ولم يلتق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فممن أخذ الحديث؟ قد يكون أخذه من تابعي مثله، وهذا التابعي، هل هو ثقة، أم غير ثقة؟ لا ندري. فاحتياطا، فإننا لا نقبل هذا الحديث، ولهذا، تكلم العلماء، رحمة الله عليهم، على مراسيل الحسن، فقالوا: إذا رواها عنه الثقات فهي صحيحة، قال أبو زرعة: "كل شيء قال الحسن: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجدت له أصلا ثابتا، ما خلا أربعة أحاديث".
وقال يحيى بن سعيد القطان: "ما قال الحسن في حديثه: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا وجدنا له أصلا، إلا حديثا أو حديثين".

حكم الحديث المرسل:
ومجمل أقوال العلماء في المرسل ثلاثة أقوال:
الأول: أن المرسل ضعيف مردود، وهو عند جماهير المحدثين، وكثير من أصحاب الأصول والفقهاء، وحجة هؤلاء: هو الجهل بحال الراوي المحذوف، لاحتمال أن يكون غير صحابي.
الثاني: صحيح يُحْتَجَّ به: وهو عند الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد، رحمة الله عليهم، في المشهور عنه، ‏وطائفة من العلماء بشرط أن يكون المرسِل ثقة ولا يرسل إلا عن ثقة.‏ وحجتهم أن التابعي الثقة لا يستحل أن يقول: قال رسول الله، صلي الله عليه وسلم، إلا إذا ‏سمعه من صحابي أو من ثقة. ‏
الثالث: قبوله بشروط: أي يَصِحُ بشروط، وهذا عند الشافعي وبعض أهل العلم. ‏

-‏ أن يكون المرسِل من كبار التابعين. ‏
‏2-‏ وإذا سَمَّى من أرسل عنه سَمَّى ثقة، فلا يروي إلا عن ثقات. ‏
‏3-‏ وإذا شاركه الحفاظ المأمونون لم يخالفوه. فلا يروي أحاديثا منكرة.
‏4-‏ وأن ينضم إلى هذه الشروط الثلاثة واحد مما يأتي: ‏
‏(‌أ)‏ أن يُرْوَى الحديث من وجه آخر مُسْنَداً. ‏
‏(‌ب)‏ أو يُرْوى من وجه آخر مرسَلاً، أرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول. ‏
‏(‌ج)‏ أو يُوافِقَ قول صحابي. ‏
‏(‌د)‏ أو يُفْتِى بمقتضاه أكثر أهل العلم.

مرسل الصحابي:
ما ذكرناه سابقا هو مرسل التابعي، أما ما فمرسل الصحابي، فما هو مرسل الصحابي؟ في الصحابة هناك الكبير والصغير، وهناك من طالت ملازمته لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهناك من قصرت ملازمته له، وهناك من حضر أحداثا معينة، وهناك من لم يحضر.
فمرسل الصحابي: هو ما أخبر به الصحابي عن قول الرسول، صلى الله عليه وسلم، أو فعله، ولم يسمعه أو ‏يشاهده، إما لصغر سنه أو تأخر إسلامه أو غيابه، ومن هذا النوع أحاديث كثيرة لصغار ‏الصحابة كابن عباس وابن الزبير وغيرهما ‏. إذن، هو قول الصحابي: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولكن ما سمعه من الرسول، وإنما سمعه من صحابي آخر، والصحابة كلهم عدول، والصحابي، عادة، لا يروي إلا عن صحابي مثله، ونادرا ما يروي عن تابعي.

حكم مرسل الصحابي:
الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور: أنه صحيح محتج به، لأن رواية الصحابة عن ‏التابعين نادرة، وإذا رووا عنهم بينوها، فإذا لم يبينوا، وقالوا: قال رسول الله، فالأصل ‏أنهم سمعوها من صحابي آخر، وحذف الصحابي لا يضر، كما تقدم ‏.
وقيل: إن مرسل الصحابي كمرسل غيره في الحكم، وهذا القول ضعيف مردود.
أشهر المصنفات في المراسيل:
أ) المراسيل لأبي داود السجستاني. ‏
ب) المراسيل لابن أبي حاتم. ‏وهو في أحكام المرسل، وليس في الأحاديث المرسلة.
ج) جامع التحصيل لأحكام المراسيل للعلائي. وهو أيضا في أحكام المراسيل.

و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
و الحمد لله رب العالمين.