نتابع دروس مصطلح الحديث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
لماذا يدلسون تدليس الشيوخ؟
1- ضعف الشيخ: فحتى لا يُقال أنه يروي عن شيخ ضعيف، فماذا يفعل؟ يكنيه، أو يصفه بصفة غير مشتهر بها.
2- تأخر وفاة الشيخ بحيث شاركه في السماع منه جماعة دونه: فللشيخ الذي تأخرت وفاته تلاميذ كبار في السن، وتلاميذ صغار في السن، فلو أن شيخا جلس للتحديث وعمره 25 سنة، وجاء طالب علم ودرس عليه وعمر الطالب 20 سنة، فحينما يصير عمر الشيخ 85 سنة، يصير عمر تلميذه 80 سنة، وصار عند الشيخ تلاميذ أعمارهم 15 أو 20 سنة، وأضرب لكم مثالا: الشيخ ابن باز، رحمة الله عليه وغفر الله لنا وله، هو شيخ للشيخ ابن عثيمين، يرحمه الله، فالآن لما توفي الشيخ ابن باز كان عمره حوالي 87 سنة، فلو أنه في سنة وفاته، مثلا، درس عنده طالب علم عمره 20 سنة، ، الآن أصبح الشيخ ابن عثيمين وهذا الطالب الصغير أقران، في الأخذ عن شيخ واحد، هو الشيخ ابن باز، رحمة الله عليه، فالشيخ ابن عثيمين يجلس في الحرم يدرِّس، ويقول: حدثني الشيخ ابن باز، ويجيء هذا الطالب الصغير، ويقول: حدثني الشيخ ابن باز، واضح؟ فتأخر وفاة الشيخ ابن باز جعلت له تلاميذ صغارا، وتلاميذ كبارا. وهذا مثال للفهم: فينظر الشيخ ابن عثيمين، مثلا، إلى طالب العلم الصغير يقول: حدثني الشيخ ابن باز، فصار وهذا الطالب سيان،
3- صغر سنه: كأن أكون طالبا للعلم، ومدرسا في الجامعة، واستفدت فائدة من أحد طلابي، ممكن، فذهبت إلى الأساتذة، وقلت: قال فلان، فقد يسخروا مني لأني أخذت عن طالب لي أصغر مني، واعتبرته شيخي، فأكنيه، فأقول، مثلا: حدثني أبو محمد، وأنا أقصد هذا الطالب.
4- كثرة الرواية عنه: كأن أكرر كل يوم: حدثني الشيخ ابن باز، فأقول يوما: حدثني الشيخ ابن باز، وفي يوم آخر أقول: حدثني مفتي الديار السعودية، وفي يوم ثالث أقول: حدثني أبو أحمد، وفي يوم رابع أقول: حدثنا عالم الحجاز، أو: عالم نجد، فآتي كل يوم باسم حتى أوهم الناس أن شيوخي كثر، وفي الحقيقة أن ليس لي إلا شيخ واحد، وأعطيته أسماء كثيرة، فهذا ما يُسمونه: تدليس الشيوخ
أسباب تدليس الإسناد:
1- توهيم عُلُوِّ الإسناد: بأن يُسقط راو أو اثنين من الإسناد.
2- فَوَات شيء من الحديث عن شيخ سمع منه الكثير: أي أن الراوي أخذ عن هذا الشيخ أحاديثا كثيرة، وفاته حديثا عنه، فيأخذه عن شيخ آخر، ثم يدلسه، لأنه قد أخذ منه روايات كثيرة، فلا داعي لأن يذكر هذا الراوي في الإسناد.
3-4-5- الأغراض الثلاثة الأولى المذكورة في تدليس الشيوخ: ضعف الشيخ، وأيضا صغر سنه، وهكذا.
فهذه هي الأسباب الحاملة على تدليس الإسناد، والأسباب الحاملة على تدليس الشيوخ.
لماذا المدلس مذموم؟
أ) إيهامه السماع ممن لم يسمع عنه: كما أقول، مثلا، لكم: قال الشيخ ابن باز، رحمة الله عليه. فأوهم أني سمعت منه، ولم أسمع منه، ربما سمعت من شيخ آخر عن الشيخ ابن باز، فالأصل أن أصرح: من الذي حدثني عن الشيخ ابن باز، وهل سمعت منه مباشرة أم سمعت منه بواسطة.
ب) عدوله عن الكشف إلى الاحتمال: نفس الأمر، فبدلا من أكشف من شيخي، فأقول: قال الشيخ ابن باز، ولكن هل سمعت منه مباشرة أم بواسطة؟
ج) علمه بأنه لو ذكر الذي دلس عنه لم يكن مَرْضِيّا: فإذا كان شيخه ضعيفا، دلس بإسقاط شيخه، أو بتكنيته.
هذه هي أسباب ذم التدليس أو المدلس.
حكم رواية المدلِّس:
1- إن صرح بالسماع قبلت روايته: أي إذا قال: "حدثني"، أو "أخبرني" قبلت روايته.
2- وان لم يصرح بالسماع لم تقبل روايته: أي إن قال: "قال فلان"، أو "عن فلان " فهذا بصيغة الاحتمال رددت روايته، ولا أقبلها حتى يصرح بالسماع، ولو كان ثقة.
بم يُعرف التدليس؟
أ) إخبار المدلس نفسه إذا سئل مثلا، كما جرى لابن عيينة، رحمة الله عليه، لما قال ابن عيينة: عن الزهري، قيل له: أسمعته من الزهري؟ قال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثنا عبد الرزاق عن معمر. إذن: هو أخبر عن نفسه أنه دلَّس، أو ما سمع من هذا الشيخ.
ب) نَصُّ إمام من أئمة الحديث، أو الجرح والتعديل، أن هذا الراوي مدلس.
حقيقة: ليس المدلسين على درجة واحدة،
مراتب المدلسين
المرتبة الأولى: من لم يوصف بذلك إلا نادراً: بحيث أنه لا يُعد من هؤلاء المدلسين، كأن تكون له ألف رواية، ولم يدلس إلا مرة، فلا يُعد مدلسا، ولا يُذكر في المدلسين، كيحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وموسى بن عقبة.
المرتبة الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح، وإن لم يصرح بالسماع، وذلك لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، فيقبل العلماء حديثه، مثل سفيان الثوري، أو لكونه لا يدلس إلا عن ثقة، فيُحتمل تدليسه لذلك، مثل سفيان ابن عيينة.
المرتبة الثالثة: من أكثر من التدليس، فلا يُحتج بحديثهم إلا من صرح فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، حتى لو صرحوا بالسماع، مثل: أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، فهو يدلس كثيرا.
المرتبة الرابعة: الذين اتُّفِقَ العلماء على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل: واتفق الأئمة على ألا يقبل حديثهم إلا من صرح فيه بالسماع، مثل: بقية بن الوليد.
المرتبة الخامسة: من ضُعف بأمر آخر سوى التدليس: أي مدلس وضعيف، فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع، مثل: عبد الله بن لهيعة.
متى يُحكم لرواية المدلس بالاتصال، وإن وردت معنعنة؟
1- إذا وردت من طريق النقاد المحققين بسماع ذلك المدلس لما عنعنه، فيما ورد من طريقه. أي إذا ورد عن إمام من الأئمة أنه يضمن تدليس فلان، مثل قول شعبة: كفيتكم تدليس ثلاث: الأعمش، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة.
فإذا روى شعبة عن الأعمش، والأعمش يروي بالعنعنة، فمعنى ذلك: أن الإسناد متصل، وأيضا عن أبي إسحاق السبيعي، وعن قتادة.
قال الحافظ ابن حجر، رحمة الله عليه: "فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاث، أنها إذا جاءت عن طريق شعبة دلت على السماع".
2- إذا كانت تلك الرواية عمن أكثر المدلس من الرواية عنه: أي إذا كان المدلس يروي كثيرا عن هذا الراوي، وكلها بالتحديث، وهذه الرواية، فقط، رواها بالعنعنة، قال: فتُحمل على السماع.
ومن ذلك ما ذكره الحافظ الذهبي في ترجمة الأعمش، وهو يدلس، ربما دلس عن ضعيف، ولا يدرى به، فمتى قال: حدثنا، فلا كلام، ومتى قال: عن، تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم، كإبراهيم النخعي، وأبي وائل شقيق بن سلمة، وأبي صالح السمَّان، أما روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال.
أشهر المصنفات في التدليس والمدلسين:
للخطيب البغدادي ثلاث مصنفات في التدليس:
في أسماء المدلسين واسمه: "التبيين لأسماء المدلسين"، وآخران كل منهم في بيان نوع من التدليس.
وأيضا: "التبيين لأسماء المدلسين" لبرهان الدين الحلبي.
وأيضا: "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس" للحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو ربما أوسع وأشمل كتاب، ويسميه بعض العلماء: "طبقات المدلسين".
· المرسل الخفي
المرسل الخفي قريب من التدليس؛ وهناك المرسل الجلي، أو المرسل وهو: قول التابعي: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. تابعي يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والتابعي لم يلتق برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيسمى حديث: مرسلا.
والمرسل الخفي، هو: أن يَرْوِيَ الراوي، عمن لقيه أو عاصره، ما لم يسمع منه بلفظ يحتمل السماع وغيره.
الآن: فالراوي عاصر شيخه، وسمع منه بعض الأحاديث، ولكن هذا الحديث لم يسمعه منه، فالإرسال الخفي هو: عمن لقيه أو عاصره، لا تحديث بينهما.
مثاله: ما رواه ابن ماجه من طريق عمر بن عبد العزيز عن عقبة ابن عامر مرفوعاً، أي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "رحم الله حارس الحرس" فإن عمر لم يلق عقبة.
الآن: عمر بن عبد العزيز يروي عن عقبة، ولكن بصيغة "عن"، فإن هذا يُسمى: مرسلا خفيا، لماذا؟ لأن عمر بن عبد العزيز عاصر عقبة، وما صار لقاء بينهم، وما صار تحديث، فهذا ما يسمونه: مرسلا خفيا.
مثال آخر: ما رواه الترمذي في "العلل الكبير": حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم، وإذا أحلت على مليء فاتبع، ولا تبع بيعتين في بيعة"؛ قال: فهذا الإسناد ظاهره الاتصال؛ يونس بن عبيد أدرك نافعا وعاصره حتى عد فيمن سمع من نافع، لكن أئمة النقد قالوا: لم يسمع منه.
ولهذا قال البخاري: ما أرى يونس بن عبيد سمع من نافع، وهو رأي ابن معين، وأحمد بن حنبل، وأبي حاتم، فهو من المرسل الخفي، ولكن أصل الحديث في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
بم يُعرف الإرسال الخفي؟
أ) نَصُّ بعض الأئمة على أن هذا الراوي لم يلق من حدث عنه أو لم يسمع منه مطلقاً.
ب) إخباره عن نفسه بأنه لم يلق من حدث عنه أو لم يسمع منه شيئاً.
ت) مجيء الحديث من وجه آخر فيه زيادة شخص بين هذا الراوي وبين من روي عنه.
حكم المرسل الخفي:
ضعيف؛ لأنه نوع من أنواع المنقطع، فإذا ظهر انقطاع فحكمه حكم المنقطع.
أشهر المصنفات في المرسل الخفي:
كتاب "التفصيل لمبهم المراسيل" للخطيب البغدادي .
ما الفرق بين المرسل الخفي والمدلَّس؟
المدلس: روى عن شيخه بعض الأحاديث والتقى بشيخه، أما في المرسل الخفي، فلم يلتق به، أو عاصره فقط.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
و الحمد لله رب العالمين.