نتابع دروس المادة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كيف يكون الراوي مشهورا بطلب الحديث؟
قال الحاكم، رحمه الله عليه، ليست الشهرة المخرجة عن الجهالة، بل هي قدر زائد على ذلك، أي يشتهر عنه أنه يطلب حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال عبد الله بن عون، رحمه الله عليه: "لا تأخذوا العلم إلا على مَن شُهِدَ لَهُ بالطلب".
أن يكون له مزيد اعتناء بالرواية لتركن إليه النفس على أنه قد ضبط هذا الحديث.
حديث صحيح مع توضيح الأسباب التي تثبت صحته؟
ما رواه الإمام البخاري في صحيحه، قال: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة أخبرنا قتادة قال: سمعت أنسا، رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب ، إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه كافر".
هذا الحديث عن الدجال.
الآن، ماذا يقول الإمام البخاري؟ يقول: حدثنا حفص بن عمر، وحفص بن عمر بن الحارث: ثقة ثبت، إذن فالرواية متصلة بين البخاري وبين حفص لقول البخاري: حدثنا.
ويقول حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، وشعبة بن الحجاج: ثقة حافظ متقن.
ويقول شعبة: أخبرنا قتادة، وقتادة: ثقة ثبت.
إذن، فهذا يُسمَّى إسناد عالي؛ لأنه بين البخاري وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أربعة، وبينه وبين الصحابي ثلاثة، فهو إسناد ثلاثي إلى الصحابي.
إذن: الإسناد متصل، ورجاله ثقات، فلا شذوذ فيه ولا علة. فهو حديث صحيح. فقد توفرت شروط الاتصال والعدالة والضبط وعدم الشذوذ وعدم العلة
· أول من صنَّف الصحيح المجردوسبب التصنيف
أول من صنَّف الصحيح المجرد هو الإمام البخاري،
والسبب في تصنيفه هو ما ذكره البخاري: كنا عند إسحاق بن راهَوَيْه...وإسحاق بن راهوية شيخ البخاري، وكان الإمام البخاري جالسا عنده، كنا عند إسحاق بن راهَوَيْه فقال: "لو جمعتم كتاباً مختصرا لصحيح سنة النبي، صلى الله عليه وسلم"، قال الإمام البخاري: "فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح".
إذن: هي مشورة من الإمام إسحاق بن راهوية، اقترح على طلابه أن يجمعوا أحاديث صحيحة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال الإمام البخاري: "فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح".
أيضا، يقول الإمام البخاري عن رؤية رآها في المنام: رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وكأني واقف بين يديه، وبيدي مروحة أذب بها عنه، فسألت بعض المعبرين، فقال لي: "أنت تذب عنه الكذب"، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح.
ولا يمنع أن تصح الروايتين، أن يكون اقتراحا من إسحاق بن راهوية، ثم رأى في المنام، فبدأ يجمع الحديث الصحيح.
أسباب توضح أن صحيح البخاري أقوى من صحيح مسلم
أولا: كلما كان المتكلم فيهم من الرواة أقل كان الكتاب أصح، ولا شك أن الرواية عمن لم يتكلم فيهم أصلا أولى من الرواية عن المتكلم فيهم، إن لم يكن ذلك الكلام قادحا.
ثانيا: الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يُكْثِر البخاري من الإخراج لهم، إلا ترجمة عكرمة عن ابن عباس، وليس كل من تُكلم فيه يكون ضعيفا، لا، فعكرمة إمام وتكلم فيه، ولكنه ثقة، فعندنا بعض الرواة متكلم فيهم وهم ثقات.
أما مسلم فقد أكثر من الإخراج للمتكلَّم فيهم، كأبي الزبير عن جابر، أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تادرس: مدلس، ويروي بالعنعنة عن جابر، فهو متكلم فيه.
وسهيل بن أبي صالح عن أبيه: متكلم فيه، وإن كانوا كلهم ثقات.
والعلاء بن عبد الرحمن عن أبيه: متكلم فيه.
حماد بن سلمة عن ثابت: كلاهما ثقة، ولكن رواية حماد بن سلمة فيها كلام، وغير ذلك من الرواة.
ثالثا: أكثر الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيهم من شيوخه، بعكس من انفرد بالإخراج لهم مسلم ممن تكلم فيهم، فهم ليسوا من شيوخه، بل متقدمين عنه، ولهذا قيل: الشيخ أعرف بشيخه. فالبخاري يعرف شيوخه وانتقى من حديثهم، فهو أعرف من غيره برواته من شيوخه.
رابعا: أن البخاري يخرج عن الطبقة الأولى في الأصول، ويخرج عن الطبقة التي تليها تعليقا، بعكس مسلم الذي يخرج عن الطبقة الأولى والثانية، وربما الثالثة، في الأصول.
خامسا: الأحاديث التي انتقدت عليهما 210 حديثا، اختص البخاري منها بأقل من 80 حديثا، ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر فيه ذلك.
معنى الطبقات في الأصول
طبقات الرواة: كل شيخ له تلاميذ يأخذون عنه، فمثلا: تلاميذ الشيخ ليسوا في طبقة واحدة؛ في الحفظ والإتقان والملازمة، وغير ذلك.
· الطبقة الأولى: أعلى درجة من الحفظ و الإتقان، مع طول ملازمة للشيخ، فيعرف الأحاديث الصحيحة من الأحاديث الضعيفة، ويعرف الأحاديث التي وَهِم فيها شيخه من غيرها.
· الطبقة الثانية: حفظ وإتقان، ولكن من غير ملازمة، أي جلس مع شيخه يوما أو اثنين، فما سبر حديثه مائة بالمائة.
· الطبقة الثالثة: طول ملازمة دون حفظ وإتقان.
· الطبقة الرابعة: قلة حفظ وإتقان وملازمة.
· الطبقة الخامسة: الضعفاء والمتروكين، وهكذا.
قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح مخافة الطول.
وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا، إنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه. أي وضع ما توفر فيه شروط الصحيح المجمع عليها. إذن توجد أحاديث صحيحة كثيرة لم يضعها في صحيحه.
مميزات مسلم عن البخاري
أن مسلم يهتم بالألفاظ، فيقول: حدثنا فلان، وفلان، واللفظ لفلان، وزاد فلان كذا، وأنقص فلان كذا، بعكس البخاري،
لم يتصدى لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام، وتقطيع الأحاديث،
ولم يخرِّج الموقوفات.
ومسلم كان يذكر الحديث في مكان واحد، ولهذا فإن الاستدلال على الحديث في صحيح مسلم أسهل منه في صحيح البخاري.
· أقسام الصحيح
يتفاوت الصحيح بحسب تمكنه من شروط الصحة وعدمه.
1. فأصح شيء: ما اتفق عليه البخاري ومسلم. فإذا قلنا: متفق عليه، أي: أخرجه البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد، وهذا أصح الأحاديث.
2. ما انفرد به البخاري.
3. ما انفرد به مسلم.
4. صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.
5. صحيح على شرط البخاري.
6. صحيح على شرط مسلم.
7. صحيح عند غيرهما، مستوفي شروط الصحة السابقة.
ولكن اُعْتُرِضَ على هذا التقسيم،
الاعتراض الأول: قالوا: المتواتر أصح من المتفق عليه فلم لم يُذكر؟ قيل: لا يعتبر فيه عدالة الرواة، والكلام في الصحيح بالتعريف السابق. والمتواتر تأكيدا أصح من المتفق عليه إذا ثبت التواتر، ولكن نحن نتكلم عن التعريف الذي ذكرناه -أي بحسب تعريف الحديث الصحيح-.
الاعتراض الثاني: وقيل: الحديث المشهور أصح من المتفق عليه إذا كان غريبا، وقلنا أن الغريب: ما رواه راو واحد.
ولهذا يقول الحافظ ابن حجر: وهو وارد قطعا. أي: أن المشهور -وهو ما رواه ثلاثة فأكثر ما لم يبلغ حد التواتر- أصح من المتفق عليه إذا كان المتفق عليه غريبا.
وقال الحافظ: وأنا متوقف في رتبته، هل هي قبل المتفق عليه أم بعده.
قلت: وليس كل حديث مشهور صحيح الإسناد. وهذا أمر مهم. فهناك أحاديث مشهورة وليست صحيحة.
الاعتراض الثالث: قالوا: ما أخرجه الستة أصح من المتفق عليه.
والستة: البخاري، مسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجة.
السبعة؟ أي: البخاري، مسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، وأحمد.
الخمسة؟ أي: أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، وأحمد.
الثلاثة؟ أي: أبو داود، الترمذي، النسائي.
الشيخان؟ أي: البخاري ومسلم.
فقالوا: ما أخرجه الستة أصح من المتفق عليه.
قيل: أن أصحاب السنن لم يشترطوا الصحة، وأجيب: بأن من لم يشترط الصحيح في كتابه لا يزيد تخريجه للحديث قوة.
الفائدة من معرفة أقسام الصحيح؟
عند التعارض، كتعارض حديث متفق عليه مع حديث آخر أقل صحة، فيقدم المتفق عليه، ومثلا: ما رواه البخاري مقدم على ما رواه الأربعة، وهكذا
ونعني بالمتفق عليه، أي: ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد.
معنى قول أن المتفق عليه ما أخرجه البخاري ومسلم من طريق صحابي واحد
أي: أن الحديث عند البخاري من طريق عائشة، رضي الله عنها، وكذلك الحديث نفسه عند مسلم من طريقها.
أما إذا كان عند البخاري من طريق عائشة، وعند مسلم من طريق جابر، فلا يسمى متفقا عليه. وليس الاتفاق اتفاق الألفاظ، لا، وإن كان الأصل اتفاق الألفاظ إذا كان الصحابي واحدا، ولو اختلفت بعض الشيء.
· المستخرجات على الصحيحين
المستخرج: كتاب يروي فيه صاحبه أحاديث كتاب معين، بأسانيد لنفسه فيلتقي -في أثناء السند- مع صاحب الأصل في شيخه، أو من فوقه، وقد يروي الحديث بغير لفظ الكتاب الأصلي، إنما يرويه بحسب ما نقله رجال السند.
كيف؟
يأتي أحدهم إلى صحيح البخاري، يريد أن يخرِّج الأحاديث من طريقه، فيلتقي مع شيخ البخاري، أو شيخِ شَيخ البخاري، ويرويها بأسانيد لنفسه، هذه تسمى مستخرجات، أي خرَّج أحاديث هذا الكتاب من طريقه.
ما هي فوائد المستخرجات؟
- علو الإسناد، وعادة ما يحب علماء الحديث علو الإسناد.
- الزيادة في قدر الصحيح، لما يقع فيها من ألفاظ زائدة، وتتمات في بعض الأحاديث تثبت صحتها بالتخريج.
أهم المستخرجات على الصحيحين:
المستخرج لأبي بكر الإسماعيلي على البخاري.
مستخرج البرقاني على البخاري.
مستخرج أبي عوانة الإسفراييني على مسلم.
مستخرج أبي جعفر بن حمدان على مسلم.
مستخرج أبي نعيم الأصبهاني على الصحيحين.
مستخرج ابن الأخرم على الصحيحين.
لكن روايات المستخرج على الصحيحين أو أحدهما ليست صحيحة دائما، لأن المستخرج يرويه بإسناده هو، وقد يروي عن غير ثقة ن وإن كان أصل الحديث صحيحا
و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
و الحمد لله رب العالمين.