تعريفه
لغة : التحسين والإتقان.
اصطلاحا : هو العلم الذي يبين الأحكام والقواعد التي يجب الالتزام بها عند تلاوة القرآن طبقا لما تلقاه المسلمون عن رسول الله r، وذلك بإعطاء كل حرف حقه مخرجا وصفة وحركة، من غير تكلف ولا تعسف.
فائدته
صون اللسان عن الخطأ واللحن في كلام الله سبحانه وتعالى.
طريقة أخذ علم التجويد
1. أن يستمع المتعلم لقراءة شيخه، وهذه طريقة المتقدمين.
2. أن يقرأ الطالب أمام شيخه وهو يصححه.
والأفضل الجمع بين الطريقتين.
ولينتبه طالب العلم أن هذا العلم لا يُتعلم من الكتب. بل لا بد من الرجوع إلى المتقنين من علماء التجويد، فثمة دقائق وأحكام لا تُدرك إلا بالسماع المباشر والمشافهة.
كما أن على طالب هذا العلم أن يُكثر من الاستماع إلى أشرطة المتقنين من القراء المعروفين. وهذا لا يغني أبدا عن الجلوس بين يدي المشايخ بل هو مكمل له.
حكمه
اختلف أهل العلم في حكم تعلم التجويد وحكم تطبيقه على قولين:
القول الأول : أن تجويد القرآن ومراعاة قواعده سنة وأدب من آداب التلاوة يستحسن الالتزام به عند تلاوة القرآن دون تكلف، ولكن ذلك ليس واجبا. وهذا قول الفقهاء.
القول الثاني : تعلم التجويد فرض كفاية أما القراءة به فواجب على كل مسلم ومسلمة. وهذا قول معظم علماء التجويد.
علماء التجويد
يرى أكثر علماء التجويد أن تعلم التجويد فرض كفاية على المسلمين ، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن لم يقم به أحد أثموا جميعا.
أما العمل به، أي تطبيق أحكام التجويد أثناء القراءة، ففرض عين على كل مكلَّف حتى وإن لم يعرف هذه الأحكام نظريا.
يقول الشيخ شمس الدين محمد بن الجزري في متنه :
وَالأَخْـذُ بِالتَّـجْـوِيـدِ حَـتْـــمٌ لازِمُ
مَــــنْ لَــمْ يُـجَـوِّدِ الْـقُـرَآنَ آثِــمُ
لأَنَّــــهُ بِــــهِ الإِلَـــهُ أَنْـــزَلاَ
وَهَـكَـذَا مِـنْـهُ إِلَئئـيْـنَا وَصَــلاَ
وَهُـوَ أَيْـضًـا حِـلَْـيـةُ الـتّـِـــلاَوَة
وَزِيْــنَـــةُ الأَدَاءِ وَالْــقِـــــرَاءَةِ
وَهُـوَ إِعْـطَاءُ الْحُـرُوفِ حَقَّـهَـا
مِــنْ صِـفَـةٍ لَـهَـا وَمُستَحَـقَّهَــا
وَرَدُّ كُـــلِّ وَاحِـــدٍ لأَصْـلِــــــــهِ
وَاللَّـفْـظُ فِــي نَـظِـيْـرِهِ كَمِـثْــلـهِ
مُكَمِّـلاً مِـنْ غَـيْـرِ مَــا تَكَـلُّـــفِ
بِاللُّطْـفِ فِي النُّطْـقِ بِاَ تَعَـسُّـفِ
وَلَـيْـسَ بَـيْـنَـهُ وَبَـيْـنَ تَــــرْكِـهِ
إِلاَّ رِيَـاضَــةُ امْـــــرِئٍ بِـفَـكِّـــهِ
تنبيه (ذكره الشيخ أبو محمد المطيري في ملتقى أهل الحديث):
البيت الأول لابن الجزري رحمه الله له رواية أخرى صحيحة وهي
َالأَخْـذُ بِالتَّـجْـوِيـدِ حَـتْـــمٌ لازِم
مَــــنْ لَــمْ يُصَحّحِ الْـقُـرَآنَ آثِــمُ
بدلا من : يجوّد . وعلى هذه الرواية – الثابتة – فلا دليل على أن ابن الجزري رحمه الله يقول بوجوب التجويد. وعلى هذه الرواية طبعت الجزرية في طبعة اعتنى بها : الشيخ محمد الزعبي أخذا من نسخة صحيحة لبعض تلاميذ المصنف الثقات.
ثم يقول : وخلاصة القول أن التجويد ليس بواجب الوجوب الشرعي ولكن منه ما قد يكون واجبا كتعلم ما يميز الحروف عن بعضها بتعلم صفات الحروف أو بتعلم النطق الصحيح بها ،لأن فن التجويد يشتمل على أحكام كثيرة ليست على مرتبة واحدة في أهمية الإتيان بها.
الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
يقول الشيخ بن عثيمين :" والتَّجويدُ مِن بابِ تحسين الصَّوتِ بالقرآنِ، وليس بواجبٍ، إنْ قرأَ به الإِنسانُ لتحسينِ صوتِه فهذا حَسَنٌ، وإنْ لم يقرأْ به فلا حَرَجَ عليه ولم يفته شيءٌ يأثم بتركِهِ، بل إنَّ شيخَ الإِسلامِ ذمَّ أولئك القومَ الذين يعتنون باللَّفظِ، ورُبَّما يكرِّرونَ الكلمةَ مرَّتين أو ثلاثاً مِن أجل أن ينطِقُوا بها على قواعد التَّجويدِ، ويَغْفُلُونَ عن المعنى وتدبُّرِ القرآنِ. ".الشرح الممتع على زاد المستنقع - الجزء الرابع
وسئل فضيلته :
ما رأي فضيلتكم في تعلم التجويد والالتزام به ؟ وهل صحيح ما يذكر عن فضيلتكم من الوقوف بالتاء في نحة ( الصلاة - الزكاة ) ؟
فأجاب قائلا : لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد ، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة ، وباب التحسين غير باب الإلزام ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كانت مداً قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم . يمد ببسم الله ، ويمد بالرحمن ، ويمد بالرحيم .
والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي .
ولو قيل : بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم ، ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى : طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث ، وكتب أهل العلم ، وتعليمك ، ومواعظك .
وليعلم أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع المسلمين وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي في جواب له أن التجويد حسب القواعد المفصلة في كتب التجويد غير واجب .
وقد أطلعت على كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حول حكم التجويد قال فيه ص 50 مجلد 16 من مجموع ابن قاسم للفتاوى : " ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة في خروج حروفه ، وترقيمها ، وتفخيمها ، وإمالتها ، والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه ، وكذلك شغل النطق بـ " أأنذرتهم " وضم الميم من " عليهم " ووصلها بالواو وكسر الهاء ، أو وضمها ونحو ذلك ، وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت " .ا.هـ.
وأما ما سمعتم من أني أقف بالتاء في نحو " الصلاة - والزكاة " فغير صحيح بل أقف في هذا وأمثاله على الهاء .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
س: هل التجويد بالقرآن في الصلاة واجب أم لا مع الدليل؟
ج: أمر الله جل وعلا بترتيل القرآن الكريم وإعطاء كل حرف حقه فقال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن الكريم أن قراءته كانت ترتيلاً لا هذا ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفاً حرفاً، وكان يقطع قراءته آية آية، وكان يمد عند حروف المد فيمد (الرحمن) ويمد (الرحيم) وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو، نائب رئيس اللجنة، الرئيس
عبدالله بن غديان، عبدالرزاق عفيفي، عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
إمامة ضعيف القراءة والتجويد
س : أفيدكم أنني إمام مسجد في إحدى ضواحي الرياض ، والمشكلة أنني ضعيف التجويد في القراءة وكثير الخطأ ، وأنا أحفظ من القرآن ثلاثة أجزاء مع بعض الآيات في بعض السور ، وأنا خائف على ذمتي ، فأرجو إفادتي هل أستمر في الإمامة أم أستقيل؟
ج : عليك أن تجتهد في حفظ ما تيسر من القرآن وتجويده وأبشر بالخير والإعانة من الله عز وجل إذا صلحت نيتك وبذلت الوسع في ذلك؛ لقول الله سبحانه : ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ وقول النبي صلى الله عليه وسلم : «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» ولا ننصحك بالاستقالة بل نوصيك بالاجتهاد الدائم والصبر والمصابرة حتى تنجح في تجويد كتاب الله وفي حفظه كله أو ما تيسر منه وفقك الله ويسر أمرك .
كتاب الدعوة، الجزء الأول، ص56.
الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها
قال ابن القيم رحمه الله: ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم قال أبو الفرج بن الجوزي قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول الحمد الحمد فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب قال ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده والمراد تحقيق الحرف حسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة وكل هذه الوساوس من إبليس وقال محمد بن قتيبة في مشكل القرآن وقد كان الناس يقرؤن القرآن بلغاتهم ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الأمصار وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة ولا علم التكلف فهفوا في كثير من الحروف وذلوا فأخلوا ومنهم رجل ستر الله عليه عند العوام بالصلاح وقربه من القلوب بالدين فلم أر فيمن تتبعت في وجوه قراءته أكثر تخليطا ولا أشد اضطرابا منه لأنه يستعمل في الحرف ما يدعه في نظيره ثم يؤصل أصلا ويخالف إلى غيره بغير علة ويختار في كثير من الحروف ما لا مخرج له إلا على طلب الحيلة الضعيفة هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز بإفراطه في المد والهمز والإشباع وإفحاشه في الإضجاع والإدغام وحمله المتعلمين على المذهب الصعب وتعسيره على الأمة ما يسره الله تعالى وتضييقه ما فسحه ومن العجب أنه يقرىء الناس بهذه المذاهب ويكره الصلاة بها ففي أي موضع يستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه أو ائتم بإمام يقرأ بقراءته أن يعيد ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم بشر بن الحارث والإمام أحمد بن حنبل وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقتهم وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها وطول اختلاف المتعلم إلى المقرىء فيها فإذا رأوه قد اختلف في أم الكتاب عشرا وفي مائة آية شهرا وفي السبع الطوال حولا ورأوه عند قراءته مائل الشدقين دار الوريدين راشح الجبين توهموا أن ذلك لفضله في القراءة وحذقه بها وليس هكذا كانت قراءة رسول الله ولا خيار السلف ولا التابعين ولا القراء العالمين بل كانت سهلة رسلة وقال الخلال في الجامع عن أبي عبدالله إنه قال لا أحب قراءة فلان يعني هذا الذي أشار إليه ابن قتيبة وكرهها كراهية شديدة وجعل يعجب من قراءته وقال لا يعجبني فإن كان رجل يقبل منك فانهه وحكى عن ابن المبارك عن الربيع بن أنس أنه نهاه عنها وقال الفضل بن زياد إن رجلا قال لأبي عبدالله فما أترك من قراءته قال الإدغام والكسر ليس يعرف في لغة من لغات العرب وسأله عبدالله ابنه عنها فقال أكره الكسر الشديد والإضجاع وقال في موضع آخر إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به وسأله الحسن بن محمد بن الحارث أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة قال أكرهه أشد كراهة إنما هي قراءة محدثة وكرهها شديدا حتى غضب وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال أكرهها أشد الكراهة قيل له ما تكره منها قال هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد وروى جعفر بن محمد عنه أنه سئل عنها فكرهها وقال كرهها ابن إدريس وأراه قال وعبدالرحمن بن مهدي وقال ما أدري إيش هذه القراءة ثم قال وقراءتهم ليست تشبه كلام العرب وقال عبد الرحمن بن مهدي لو صليت خلف من يقرأ بها لأعدت الصلاة.
هداية القاري إلى تجويد كلام الباري
ينبغي لكل من شرع في فن من الفنون أن يعرف مبادئه العشرة المشهورة ليكون على بصيرة في
المشروع فيه، وحيث إن رسالتنا هذه خاصة بعلم التجويد فينبغي أن نتكلم على تلك المبادىء
العشرة الخاصة به ليكون الطالب على علم بها فنقول وبالله التوفيق ومنه نستمد العون والقول:
الأول: حده: التجويد مصدر جود تجويداً،
والاسم منه الجودة ضد الرداءة وهو في اللغة التحسين يقال جوَّد الرجل الشيء إذا أتى به جيداً
ويستوي في ذلك القول والفعل.
. ويقال لقارىء القرآن الكريم المحسن لتلاوته: "مجوِّد" بكسر الواو إذا أتى بالقراءة مجوَّدة -
بفتح الواو - الألفاظ بريئة من الجوْر والتحريف حال النطق بها.
وفي الاصلاح: إخراج كل حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه ومستحقه - بفتح الحاء -
من الصفات. فحق الحرف من الصفات أي الصفات اللازمة المثبتة
التي لا تنفك عنه بحال، كالجهر، والشدة، والاستعلاء، والاستفال، والإطباق، والقلقلة،
إلى غير ذلك مما سنذكره مبسوطاً في موضعه..
ومستحقَّه أي من الصفات العارضة التي تعرض له في بعض الأحوال وتنفك عنه في البعض الآخر
لسبب من الأسباب كالترقيق والتفخيم، فإن الأول ناشىء عن صفة الاستفال
والثاني ناشىء عن صفة الاستعلاء وكالإظهار والإدغام والإخفاء والمدر والقصر
إلى غير ذلك مما سيأتي مفصلاً، مشروطاً بشروطه في محله إن شاء الله تعالى.
الثاني: موضوعه: هو الكلمات القرآنية من حيث إعطاء حروفها حقها ومستحقها كما مر
من غير تكلف والا تعسف في النطق مما يخرج بها عن القواعد المجمع عليها. وزاد بعض أئمتنا -
الحديث الشريف - إذ يرى تطبيق قواعد التجويد في قراءته والجمهور على أن موضوع
التجويد هو القرآن الكريم فقط..
الثالث: ثمرته: هي صون اللسان عن اللحن في لفظ القرآن الكريم حال الأداء
وكذلك الحديث الشريف عند من رأى ذلك، وقد تقدم ما عليه الجمهور في هذا الشأن..
الرابع: فضله: هو من أشرف العلوم وأفضلها لتعلقه بكلام الله تعالى..
الخامس: نسبته من العلوم: هو أحد العلوم الشرعية المتعلقة بالقرآن الكريم.
السادس: واضعه: أما الواضع له من الناحية العملية فهو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لأنه نزل عليه القرآن من عند الله تعالى مجوَّداً وتلقاه صلوات الله وسلامه عليه
من الأمين جبريل عليه السلام كذلك وتلقته عنه الصحابة وسمعته من فيه الشريف كذلك
وتلقاه من الصحابة التابعون كذلك وهكذا إلى أن وصل إلينا عن طريق شيوخنا متواتراً
ولا نكر هذا إلا مكابر أو معاند. وأما الواضع له من ناحية قواعده
وقضاياه العلمية ففيه خلاف فقيل أبو الأسود الدؤلي. وقيل أبو عبيد القاسم بن سلام.
وقيل الخليل بن أحمد وقيل غير هؤلاء من أئمة القراءة واللغة.
السابع: أسمه: علم التجويد.
الثامن: استمداده:
جاء من كيفية قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من كيفية قراءة الصحابة
بمن بعده والتابعين وأتباعهم وأئمة القراءة إلى أن وصل إلينا بالتواتر عن طريق شيوخنا.
التاسع: حكم الشارع فيه هو الوجوب العيني
على كل مكلَّف من مسلم ومسلمة يحفظان القرآن كله أو بعضه ولو سورة واحدة لثبوت ذلك
بالكتاب والسنة وإجماع الأمة
.
وأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} أي اتله على تؤدة وطمأنينة وخشوع وتدبر مع
مراعاة قواعد التجويد من مد الممدود وقصر المقصور وإظهار المظهر وإدغام المدغم وإخفاء المخفى
إلى غير ذلك مما سيأتي مبسوطاً في مواضعه. وقد أخبر غير واحد من أئمتنا أنه صح عن سيدنا علي
بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ ?لْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} "الترتيل هو تجويد
الحروف ومعرفة الوقوف"أ هـ.
وإذا تأملنا في الآية الكريمة نجد أن الله تبارك وتعالى لم يقتصر على الأمر بالفعل في قوله عز شأنه:
{وَرَتِّلِ} بل أكده بمصدر مؤكد للأمر وهو قوله سبحانه: {?لْقُرْآنَ} وهذا مما يفيد الاهتمام بشأنه
والترغيب في ثوابه والعمل به. هذا: والأمر في هذه الآية للوجوب كما
هو الأصل في الأمر إلا أن تكون قرينة تصرفه عن هذا الوجوب إلى غيره من المعاني كالندب أو
الإباحة أو التهديد... إلخ ولا قرينة هنا تصرفه عن الوجوب إلى غيره مما ذكر
ونحوه فبقي على الأصل وهو الوجوب فتأمل.
وما الأمر بالترتيل هنا إلا لأن الترتيل صفة تكلم الله بالقرآن كما قال سبحانه وتعالى:
{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32)} وناهيك بهذا شرفاً وجلالاً.
وأما السنة: فكثيرة منها ما خرَّجه الحافظ السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور، وعزاه
للطبراني في الأوسط وابن مردويه وسعيد بن منصور من حديث موسى بن يزيد الكندي رضي الله عنه
قال: "كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرىء رجلاً، فقرأ الرجل:
{إنَّما الصَّدقات للفُقَراءِ والمَسَاكينِ} مرسلة فقال ابن مسعود ما هكذا أقرأنيها النبي صلى الله عليه
وسلم،ن فقال: وكيف أقرأكها؟ قال: أقرأنيها:
{إنَّما الصَّدقاتُ للفُقراءِ والمساكينِ} فمدها أهـ فابن مسعود الذي هو أشبه الناس
سمتاً ودلاًّ برسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على الرجل أن يقرأ كلمة
"الفقراء" من غير مد ولم يرخص له في تركه"، مع أن فعله وتركه سواء في عدم التأثير
على دلالة الكلمة ومعناها، ولكن لأن القراءة سنة متَّبعة يأخذها الآخر عن الأول كما قال زيد بن مثبت
رضي الله عنه. واستفاض النقل عنه بذلك؛ أنكر ابن مسعود رضي الله عنه على الرجل أن يقرأ بغير
قراءة النبي صلى الله عليه وسلم التي أقرأ بها أصحابه رضي الله عنهم جميعاً، فدل ذلك على وجوب
تعلم التجويد واتباع أحكامه عند التلاوة، لدلالة مثل هذا النص بالجزء على الكل.
وسيأتي لهذا الحديث مزيد تفصيل في "باب المد والقصر" من هذا الكتاب إن شاء العزيز الوهاب
سبحانه وتعالى. وهناك سنشير إلى تخريجه مستوفى.
وأما إجماع الأمة فقد قال العلامة الشيخ محمد مكي نصر في نهاية القول المفيد ما نصه:
فقد اجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على وجوب التجويد من
زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا ولم يختلف فيه أحد منهم وهذا
من أقوى الحجج أ هـ منه بلفظه ص (10).
العاشر: مسائله وهي قواعده كقولنا: كل نون ساكنة وقع بعدها حرف من حروف
الحق يجب إظهارها ويسمى إظهاراً حلقيًّا، وكل حرف مد وقع بعده ساكن أصلي
وصلاً ووقفاً يُمدَ مدًّا طويلاً ويسمى مدًّا لازماً وهكذا، وقد أشار إلى ما قدمنا في هذا الفصل
الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:
*والأخْذُ بالتَّجويدِ حتمٌ لازمٌ * مَنْ لمْ يُجوِّدِ القرآنَ آثِمُ*
*لأنَّه بِه الإلهُ أنزلا * وهكذا مِنْه إلينَا وَصَلاَ*
*وهوَ ايضاً حليَةُ التِّلاوةِ * زينةُ الأداءِ والقراءةِ*
*وهو إعطاءُ الحروفِ حقَّها * من صفة لها ومُستحقَّها*
*ورد كلِّ واحد لأصلهِ * واللفظُ في نظيره كمثله*
*مكمَّلاً من غيرَ ما تَكَلُّف * باللطفِ في النُّطقِ بلا تعسُّفِ*
*وليس بينهُ وبين تركهِ * إلا رياضةُ امرىءٍ بفكِّهِ ا هـ*
رد مع اقتباس
مــــــــراتب القـــــــــراءة
المرتبة الأولى: التحقيق.
وهو القراءة بتؤدة وطمأنينة بقصد التعليم مع تدبر المعاني ومراعاة الأحكام.
المرتبة الثانية: الترتيل.
وهو القراءة بتؤدة وطمأنينة لا بقصد التعليم مع تدبر المعاني ومراعاة الأحكام.
المرتبة الثالثة: الحدر.
وهو القراءة بسرعة مع مراعاة الأحكام.
المرتبة الرابعة: التدوير.
وهو القراءة بحالة متوسطة بين التؤدة والإسراع مع مراعاة الأحكام.
وهذه المراتب متفاوتة في الفضل فقد اختلف العلماء في الأفضلية:
فقال بعضهم : التؤدة والطمأنينة مع قلة القراءة أكثر ثواباً وهذا مذهب ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وذكر هذا القول غيرهم.
وذهب فريق إلى أن كثرة القراءة مع المحافظة على أحكام التلاوة أفضل وهؤلاء من أصحاب الشافعي ، واحتجوا لذلك بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { .. ومن قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف }، ولقد روي عن زيد بن مثبت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إن الله يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل } أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وقد أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: { ورتلا القرآن ترتيلاً } (سورة المزمل الآية :4)، وفي جامع الترمذي وغيره عن يعلى بن مالك أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هي تصف قراءته أنها قراءة مفسرة حرفاً حرفاً.