موضوع: القصر في الصلاه الأربعاء مارس 28, 2012 3:29 pm
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. يصلّي بعضُهم في السّفر خمس صلوات في خمسـة أوقات دون قصر ، وهؤلاء يتركون سنّة النبي في فعلهم هذا ، إذ الثّابت عنه القصر والجمع بين الصلاتين (2) . وبعضهم يترك ذلك لشُبهٍ قامت في ذهنه ! من مثل : أن القصر لا يجوز إلا في حالة الخوف ! أو : أن القصر أو الجمع لا يجوز إلا في سفر الطّاعة ، كالحج . وهذا لا نصيب له من الصّحة ، ولا حظّ له من حيث الأدلة ، بل قامت الأدلة على خلافه ، ولهذا : فلا معوّل عليه عند أهل العلم . قال الشّنقيطي : (( أجمع العلماء على مشروعية قصر الرباعيّة في السفر ، خلافاً لمن شذّ ، وقال :لا قصر إلا في خوف ! ومن قال : لا قصر إلا في سفر طاعة خاصّة ، فإنها أقوال لا معوّل عليها عند أهل العلم(3) . أو :أن السفر الآن يتم في الطّائرات والسيّارات والقطارات ، ولا مشقة فيها ، بخلاف السفر قديماً ! أو :أن المسافر يقتضي عمله السّفر الدّائم ! . ومن كان عمله يقتضي السفر دائما ، مثل الملاح و المكاري ، فإنه يرخص له القصر والفطر ، لأنه مسافر حقيقة)) (1) . أسوق هـذا لأني وجدتُ وسمعتُ من بعض مشايخ هذا الزّمان ! صرف الأحكام المتعلّقة بالسفر أو بعضها ، عن العمل بها ، بحجّة أن السفر يتم الآن بواسطة المراكب الحديثة ، من طائرات وغيرها ، وما هـذا بحجّة يجب المصير إليها ، وإنما هو الرأي ، والعياذ بالله . ونسي هؤلاء أن تشريع الله ـ سبحانه وتعالى ـ لكل زمان ومكان ، وحتى يرث الله الأرض ومَنْ عليها ، وأن الذي يقيد ويخصص هو الله ورسوله ، وكم أحببتُ أن يقرأ هؤلاء قول الله تبارك وتعالى :) وَالْخَيْلَوَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَلِتَرْكَبُوهَاوَزِينَةًوَيَخْلُقُمَالاَتَعْلَمُونَ( (2) . فهذا ربنا ـ سبحانه ـ يخبرنا أنه يخلق مالا نعلم من مركوبات ، غير الموجودة في زمن الوحي : طائرات ، وقاطرات ، وسيارات ، وغيرها . فعجباً لهؤلاء ! أليست هذه من خلق الله ؟ أم أن الله لا يعلم أنها كائنة ؟! حاشا وكلا ، وربنا ـ سبحانه ـ لم يخبرنا أنه عند وجود غير هذه المركوبات التي سمّى لنا في الآية ، تلغي أحكام السفر أو تقديها أو تخصصها . فأحكام السفر إذن باقية كما هي على عهد الرسولصلى الله عليه وسلم (3) . وتعلم ـ أخي المصلّى ـ خطأ تارك القصر في السفر ، حين تعلم أن حكم القصر فيه الوجوب ، وإليه ذهب الحنفية ، وروي عن علي بن أبي طالب وعمر ـ ما ـ كما في ((نيل الأوطار)) (4) ونسبه الخطابي لمذهب أكثر علماء السلف ، وفقهاء الأمصار ، ولعمر وعلي و ابن عمر وجابر وابن عباس وعمر بن عبد العزيز والحسن و قتادة . وقال : قال حماد بن أبي سليمان : يعيد مَنْ صلّى في السّفر أربعاً . وقال مالك بن أنس : يعيد ما دام في الوقت (1) . والأدلة على وجوب القصر كثيرة ، أقتصر منها على حديث واحد : عن عائشة ـ ا ـ قالت :فرض الله الصّلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر ، فأُقِرَّت صلاةُ السّفر ، وزيد في صلاة الحضر (2) . قال الصنعاني معقباً على هذا الحديث : ((في هذا الحديث : دليل على وجوب القصر في السفر ، لأن ((فرضت)) بمعنى : وجبت ، ووجوبه مذهب الهادوية والحنفية وغيرهم))(3) . وردّ على القائلين بالرخصة أقوالهم وحججهم ، وكذلك فعل الشوكاني ، وقال مقرراً ما ذكرناه : ((وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بالوجوب)) (4) وقال معلقاً على حديث عائشة : ((فمن زاد فيها ، كمن زاد على أربع في صلاة الحضر ، ولا يصح التعلّق بما روي عنها أنها كانت تتم ، فإن ذلك لا تقوم به الحجة ، بل الحجة في روايتها لا في رأيها)) (5) . وذهب إلى الوجوب من قبلهما : شيخ الإسلامابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ، رحمها الله تعالى (6) . ومنهم مَنْ يشترط مسافةً معيّنةً للسّفر حتى يشرع القصر والجمع فيه ، وقد اختلف العلماءُ في المسافة اختلافاً كثيراً جداً ، على نحو عشرين قولاً ، والصحيح عند المحققين من أهل العلم : أن ما كان سفراً في عرف النّاس ، فهو السفر الذي علّق به الشّارع الحكم ، وهذا أليق بيسر الإسلام ، فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة أيام وغيرها من التحديدات ، يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطّرق التي قد يطرقونها ، وهذا مما لا يستطيع أكثر الناس ، لا سيما إذا كانت مما لم تطرق من قبل (1) . قال الشنقيطي رحمه الله تعالى : ((أقوى الأقوال فيما يظهر لي حجة ، هو قول مَنْ قال : إن كل ما يسمى سفراً ولو قصيراً ، تقصير فيه الصّلاة ، لإطلاق السّفر في النّصوص)) (2) . والتقدير بابُهُ التُوقيف ، فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد ، سيما و ليس له أصل يردّ إليه ، ولا نظير يقاس عليه . والحاصل :أنّ الجمع مشروعٌ لكلّ مسافر سفراً معتبراً في العرف ، سواء طال أم قصر ، ومقصدنا بـ ((العرف)) الذي كان في زمن الوحي . قال الصنعاني : ((وينبغي أن يراد بالمعتاد ما كان في عصر النبوّة)) . وعليه : تعلم خطأ مَنْ يمنع المسافر عبر الحدود من دولة إلى أخرى من القصر إلا إنْ كان معه ((جواز سفر)) ، لأن العرف السفر به ، وهو لم يفعل !! فإلى الله المشتكى(3). ومن الجدير بالذّكر : أن القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة ، وهو مذهب الجمهور من العلماء . قال الشنقيطي رحمه الله تعالى : ((يبتدىء المسافر القصر ، إذا جاوز بيوت بلده ، بأن خرج من البلد كله ، ولا يقصر في بيته إذا نوى السفر ، ولا في وسط البلد ، وهذا هو قول جمهور العلماء ، منهم الأئمة الأربعة ، وأكثر فقهاء الأمصار ، وقد ثبت عن النبي أنه قصر بذي الخليفة . وعن مالك : أنه إذا كان في البلد بساتين مسكونة ، أن حكمها حكم البلد ، فلا يقصر حتى يجاوزها . واستدل الجمهور على أنه لا يقصر إلا إذا خرج من البلد ، بأن القصر مشروط بالضّرب في الأرض ، ومَنْ لم يخرج من البلد لم يضرب في الأرض)) (4) . وقال النووي : ((وأما ابتداء القصر ، فيجوز من حين يفارق بنيان بلده ، أو خيام قومه ، إن كان من أهل الخيام ، هذا جملة القول فيه ، وتفصيله مشهور في كتب الفقه ، هذا مذهبنا ، ومذهب العلماء كافّة ، إلا رواية ضعيفة عن مالك : أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال . وحكى عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود : أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه . وعن مجاهد : أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل . وهذه الروايات كلّها منابذة للسنّة وإجماع السّلف والخلف))(1). والأدلة كثيرة ومتضافرة على القول الذي نصره النووي ، والنظر في الردّ على قـول مَنْ قال : إذا خـرج نهاراً لم يقصر إلى الليل ، في ((نيل الأوطار)) : (3/251) . وانظر الأدلة على ما نصره النووي في : ((صحيح البخاري)) : ((باب يقصر إذا خرج من موضعه)) (2) و ((أضواء البيان)) : (1/371) و((إرواء الغليل)) : رقم (563) و ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : رقم (163) و((المحلى)) : (5/2) . والخلاصة :أن القصر يبدأ من الخروج من البلد ومفارقة بنيان مكان الإقامة ، من قرية ، أو مدينة ، أو خيام ، ولا يوجب الأمر ـ كما وجدت عليه بعضَ إخواننا ـ أن يكون الخروجُ عن كلّ بنيان يصادفه في طريق سفره ، ولو امتدً إلى آلاف الأميال ، والله تعالى أعلم (3) . نعم ، لو كانت قريتان متدانيتان ، فاتًصل بناء إحِداهما بالأُخرى فهما كالواحدة ، وإن لم يتصل فلكل قرية حكم نفسها (4) ، وبمجرد خروجه عنها ـ إن كانت بلدتَه ـ فله القصر ، وإن واجهه في الطريق مجموعة قرى متّصلة أو منفصلة . والاعتبار بالنيّة لا بالفعل ، فلو خرج يقصد سفراً بعيداً ، فقصر الصّلاة ، ثم بدا له فرجع ، كان ما صلاه ماضياً صحيحاً ، ولا يقصر في رجوعه إلا أن تكون مسافةُ الرجوع مبيحة بنفسها ، نصّ أحمد على هذا ، ولو خرج طالباً لعبد آبق (هارب) ونحوه ، لا يعلم أين هو ، أو منتجعاً غيثاً (كلأ) ، متى وجده أقام أو رجع ، أو سائحـاً في الأرض ، لا يقصد مكاناً ، لم يُبَح له القصر ، وإن سار أياماً (5) . ويقلع المسافر عن الجمع والقصر مجرد دخوله بلدته . عن علي بن ربيعة قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب ـ ـ متوجّهين ها هنا ، وأشار بيده إلى الشّام ، فصلّى ركعتين ركعتين ، حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة، حضرت الصّلاةُ ، فقالوا : يا أمير المؤمنين هذه الكوفة ، نُتمُّ الصّلاة ؟ . قال : لا ، حتى ندخلها (1) . ومعنى قوله : ((لا ، حتى ندخلها)) أي : لا نزال نقصر حتى ندخلها ، فإنا ما لم ندخلها في حكم المسافرين (2) . ويقصر المسافر الصّلاة ما دام غائباً عن بلده الذي اتّخذه موطناً ، وفي نيته الرجوع إليه ، سواء أكان شاخصاً سائراً أم أقام في بلد آخر مدة معلومة لديه ، ما لم يتخذه موطناً ، أو لم يكن يعلم المدّة ، وفي نفسه يقول : اليوم أخرج ، غداً أخرج (3)
(2) ومنع الحنفية الجمع بين الصلاتين إلا في عرفة ومزدلفة ، وحملوا الجمع الوارد في الأحاديث على الجمع الصوري ، وردّه بعض المحققين منهم ، قـال اللكنـوي : ((حمل أصحابنا الأحاديث الواردة في الجمع على الجمع الصوري ، وقد بسط الطحاوي الكلام فيه في ((شرح معاني الآثار)) ولكن لا أدري ماذا يفعل بالروايات التي وردت صريحاً بأن الجمع كان بعد ذهاب الوقت ، وهي مروية في ((صحيح البخاري)) و((سنن أبي داود)) و((صحيح مسلم)) وغيرها من الكتب المعتمدة ، على ما لا يخفى على مَنْ نظر فيها ، فإن حمل على أن الرواة لم يحصل التمييز لهم ، فظنّوا قرب خروج الوقت ، فهذا بعيد عن الصحابة النّاصّين على ذلك . وإن اختير ترك تلك الروايات بإبداء الخلل في الإسناد ، فهو أبعد مع إخراج الأئمة لها ، وشهادتهم بتصحيحها ، وإن عورض بالأحاديث التي صرحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى آخر الوقت والتقديم في أول الوقت ، فهو أعجب ، فإن الجمع بينها ، بحملها على اختلاف الأحوال ممكن ، بل هو الظاهر)) انتهى من ((التعليق الممجد)) : (ص129) وانظر المبحث الثاني من الفصل الثاني : ((الرد على منكري الجمع)) من كتابنا ((الجمع بين الصلاتين)) : (ص101ـ116) فقد استوفينا الردّ على جميع شبه المانعين ، ولله الحمد والمنّة . (3) أضواء البيان : (1/360) . وانظر : ((المحلى)) : (4/264) . (1)فقه السنة : (1/285) . (2)سورة النحل : آية رقم ( . (3)أربع مسائل في صلاة المسافر : ( ص49 ـ50) . (4)3/245 . (1)معالم السنن : (2/47 ـ 48) . (2)أخرجه البخاري في (( الصحيح )) : (1/464) و(2/569) و( 7/267ـ268) ومسلم في (( الصحيح )) رقم (685) و أبو داود في (( السنن )) : رقم (1198) والنسائي في (( المجتبى )) (1/225ـ226) . (3)سبل السلام : (2/441) . (4)نيل الأوطار : (3/248) . (5) السيل الجرار : (1/306) . وقال <A href="http://almenhaj.net/Abwab.php?kelmah=%C7%C8%E4%20%C7%E1%DE%ED%E3">ابن القيم في ((الهدي)) : (1/472) في إتمام عائشة في السفر : ((وسمعت شيخ الإسلامابن تيمية يقول : هذا الحديث كذب على عائشة ، ولم تكن عائشة لتصلّي بخلاف صلاة رسول اللهrوسائر الصحابة ، وهي تشاهدهم يقصرون ، ثم تتم هي وحدها بلا موجب ، كيف وهي القائلة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، فزيد في صلاة الحضر ، وأقرت صلاة السفر ، فكيف يظنّ أنها تزيد على ما فرض الله ، ونخالف رسول اللهrوأصحابة)) . وانظر : ((إرواء الغليل)) : (613ـ9) . (6) انظر : (( لفتاوى الكبرى )) : (1/145ـ146) و (( زاد المعـاد )) : ( 1/472 ) و (( تمام المنّة )) : (ص318) . (1)انـظر : ((سلسة الأحاديث الصحيحة)) : رقم (163) و ((زاد المعاد)) : (1/189) و ((نيل الأوطار)) : (3/254) و (سبل السلام)) : (2/445) و ((المغني)) : (2/ 257) و ((المحلى)) : ( 5/9) و ((فقه السنة)) : (1/284) .
لسانك.حصانك
المساهمات : 39 تاريخ التسجيل : 18/03/2012
موضوع: رد: القصر في الصلاه الخميس مارس 29, 2012 11:34 am