بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى شرع لنا سنن الهدى وفضلنا بهذا الدين على سائر الورى وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له ما فى السموات وما فى الأرض ليجزى الذين أساءوا بما عملوا والذين أحسنوا بالحسنى وأشهد ان محمد عبده ورسوله سيد الورى وأفضل من مس الثرى وأقوم العباد بحقوق الله وحقوق عباده سرا وجهرا صلى الله وسلم عليه وعلى أله وأصحابه منارات الهدى ومصابيح الدجى ومن سار على نهجهم واهتدى
أيها الأحبة فى الله سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأسأل الله عزوجل بأسمائه وصفاته أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما وان لا يجعل فينا ولا منا شقيا ولا محروما وان يزيننا جميعا بزينة الإيمان وان يجعلنا هداة مهتدين إنه على ذلك قدير
أيها الأحبة كم أنا سعيد ومغتبط بلقاء هذه الوجوه المباركة من إخوانى كنت منذ سنين وأنا أتأمل لقائهم وأجيب دعواتهم المتتابعة للمشاركة فى هذه النشاطات الدعوية المباركة فى هذا الجامع المبارك واسأل الله عزوجل أن يجمعنا دوما على خير وأن يجعلنا دائما مباركين أين ما كنا
كان الموضوع الذى إختاره الأحبة هو كما سمعتم الدين حسن المعاملة إنه موضوع من أهم الموضوعات بل هو عبادة من أجل العبادات ومصلحة تبلغ الحاجة إليها مبلغ الضرورات وبالقيام بها وممارستها أيها الأحبة تفلح أحوال الأفراد والمجتمعات وهذاالعنوان الدين حسن المعاملة قد يظن بعض الناس أنه حديث مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قد أشتهر على ألسنة كثير من الناس الدين المعاملة وقد يظنون أنه نص حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك فى واقع الأمر فهو لم يرد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فى حديث صحيح مرفوع بل ولا فى حديث ضعيف ولا موضوع فليس له أصل فى السنة بهذا اللفظ ولكن معناه صحيح وثابت فى نصوص كثيرة فى الكتاب والسنة إن كان المراد من هذا اللفظ الدين المعاملة أن الدين هو حسن المعاملة فإن هذا معنى صحيح يدل عليه قول النبى صلى الله عليه وسلم
[glow1=6666FF](إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[/glow1]
وفى رواية
[glow1=6666FF](لأتمم صالح الأخلاق)[/glow1]
وذلك أن حياة الأنسان أيها الأحبة ظاهرة بين معاملة الحق سبحانه ومعاملة الخلق فإذا أحسن الإنسان فى الحالين فاز فى الدارين وحقق الغاية التى أبتعث الله عزوجل لها النبيين وجاء ليتممها ويكملها سيد المرسلين عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم وقد دعانى للحديث فى هذا الموضوع المهم أيها الأحبة أسباب عديدة أهمها ثلاث أسباب الأول أن المتأمل فى أحوال كثير من المسلمين اليوم يجد مع الأسف الشديد تناقض ظاهرا بين ما أوصاهم به الله سبحانه من رعاية حقوقه وحقوق عباده وبين ماهم عليه من تفريط فى جنب الله وعدم رعاية لحقوق عباد الله بل كثير من المسلمين اليوم يظن أن التقوى هى القيام بحقوق الله عزوجل دون حقوق عباده وأن الدين قاصر على معاملة الخالق دون المخلوق فتجد أنهم يهملون حقوق العباد بالكلية أو يقصرون فيها ولا يعرفون لحسن الخلق مكانة تعتبر ولا يهتمون به إهتماما يذكر وياليت أن هذا الصنف من الناس يقصر فى القيام بحقوق العباد ومخالقة الناس بخلق حسن ياليتهم كفوا أذاهم عنهم وطهروا أيديهم وألسنتهم من الإستطالة عليهم وبخسهم حقوقهم وأشيائهم ولكنهم لسوء حظهم وقلة توفيقهم لا يتورعون عن ظلمهم والتعدى على مصالحهم ومقتهم حقوقهم فجمعوا بين سيئتين وارتكبوا جرمين عظيمين ووقعوا فى ظلم العباد من جهتين جهة إدائهم والعدوان عليهم وجهة التقصير فى حقوقهم والقيام بما يجب لهم ويغفل هؤلاء عما يستوجبه ذلك من الإثم والشؤم والعقوبات العاجلة والأجلة وماورد فيه من الوعيد الشديد الذى تقشعر له الجلود المؤمنة وترجفوا له قلوبهم خشية ورهبة
[glow1=FF3300]أما السبب الثانى[/glow1] الذى يدعوا لطرح هذا الموضوع أيها الأحبة والتذكير به وبيان أهميته وعظم مكانته من الدين هو ان من تأمل النصوص الكثيرة التى وردة فى الحث على حسن الخلق والإحسان إلى الخلق بكل قول جميل وفعل حميد لا ينقضى والله عجبه من عظم شأن هذا الأمر وعلو مكانته بل ويدهش لكثرة ما ركب عليه من الثواب والجزاء وما لصاحبه من المدح والثناء ورفعة المنزلة وحسن العاقبة فى الدنيا والأخرة ويعجب من غفلة كثير من الناس عن هذا الخير وتفريطهم فيه وحرمانه إياه مع حرص كثير منهم على نوافل العبادات من قيام الليل وصيام النهار ونحو ذلك مع ان حسن الخلق إذا صاحبته النية الصالحة أعظم أجرا من هذه النوافل وهى أيضا لا يكلفهم شيء يذكر وبه يحصلون خير الدنيا والأخرة ينسى كثير من هؤلاء أو يجهلون أن حسن الخلق عبادة من أجل العبادات وقربة من أعظم القربات وعمل من أحب الاعمال إلى الله عزوجل وأزكها عنده وأحظها لديه
ومن هنا تظهر الحاجة لتذكير بأهمية حسن الخلق وعظم حقوق الخلق وان الله عزوجل جعل بعضهم لبعض فتنة فكل إنسان فى أى موقع كان مبتلآ بمن يقابله ويعامله ويلابسه من عباد الله عزوجل الرجال والنساء القربين والبعدين والصالحين والفاسقين المسلمين والكافرين مبتلا ومختبر بهم هل يتقى الله تعالى فيهم وينصح لهم ويحسن إليهم ويقوم بحقوقهم ويكف أذاه عنهم أم يكونوا على الضد من ذلك فيخسروا محبة الله ومحبة الناس ويكون منبوذا عند الله عزوجل وعند الخلق
[glow1=FF0000]السبب الثالث [/glow1]الذى يدعوا لطرق هذا الموضوع والتذكير به أيها الأحبة أن مخالقة الناس بخلق حسن والإحسان إليهم بالقول والفعل من أعظم وسائل الدعوة إلى الله عز وجل وتأليف قلوب العباد على التدين والصلاح والإستقامة وترغيب غير المسلمين فى الإسلام وليس سرآ أيها الأحبة أن أكبر بلد إسلامى فى زماننا اليوم وهو إندونيسيا إنما دخله الإسلام عن طريق التجار المسلمين لم يدخلوا للإسلام عن طريق الجهاد ولم يدخله أيضآ عن طريق العلماء الراسخين فى العلم والدعاة المتفرغين فى الدعوة إنما دخل الإسلام فى بلاد أندونيسيا وماليزيا وغيرها فى البلاد التى حولها عن طريق التجار المسلمين الموثقين رحمة الله عليهم أجمعين أولئك التجار الذين حملوا حقيقة هذا الدين وطبقوها عمليا بحسن أخلاقهم وتعاملهم ووفائهم بالعهود والعقود وغضهم عن الحرمات وأدائهم للحقوق ومحبتهم الخير للناس لما رأى أولئك القوم ما عند أولئك التجار المسلمين من حسن الخلق ودماثة المعاشرة وأداء الأمانات وحفظ العهود والوفاء بالعقود والغض عن الحرمات والمسح والصدق قالوا إن دين يجعل أصحابه هكذا لهو الدين حق وعدل فأعلنوا إسلامهم نعم أيها الأحبة هذا البلد الذى يعيش فيه أكثر من مائة مليون مسلم لا يوجد بلد مسلم أكبر من هذا البلد من حيث عدد السكان وإنما كان سبب دخول هذه الملايين من المسلمين فى الإسلام هو حسن المعاملة حسن الخلق الإحسان إلى الناس وأداء الأمانات والوفاء بالعهود والعقود والغض عن الحرمات لأن الإنسان أيها الأحبة بحسن تعامله وخلقه يعبر عن ما يمتلىء به قلبه من عقيدة صافية وفكر نير وإن المعاملة الطيبة الصافية قد تكون أبلغ من ألف خطبة أو محاضرة والأفعال هى التى تصدق الأقوال وتكشف معادن النساء والرجال وتترجم بحق عما يعتنقه أصحابها من عقائد و أفكار
الدين حسن المعاملة نعم أيها الأحبة حياة الإنسان فى هذه الدنيا دائرة بين معاملة الله عزوجل ومعاملة عباده من الإنس والجن والبهائم والحيوانات والنباتات والجمادات وغيرها وعلى حسب معاملته لله عزوجل وخلقه يكون جزاء هذا العبد فى الدنيا والأخرة فإذا أحسن فى معاملة الله عزوجل بأن أحبه وعظمه وشكرلألائه ونعمه وأتى بأوامره واجتنب نواهيه ثم أيضا أحسن فى معاملة الناس كما أمره الله فاجتهد فى النصح لهم والإحسان إليهم والعدل فى معاملتهم وكف الأذى والظلم عنهم وإحتمال الأذى منهم فأنه يفوز بسعادة الدنيا والأخرة وترتفع منزلته عند الله تعالى وعند الناس ويطرح له القبول فى الأرض والمحبة فى قلوب الخلق وقد قرن الله عزوجل حقوق العباد بحقه وأمر بالإحسان إليهم بعد الأمر بعبادته وذلك فى أيات كثيرة من كتابه وأحاديث كثيرة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يقول عزوجل فى سورة الإسراء
[glow1=FFCC00]{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ }الإسراء23[/glow1]ثم ماذا ياربنا قال
[glow1=FFCC00](َبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً[/glow1]] ثم قال بعدها [glow1=FF9900]{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً }الإسراء26)[/glow1] فأمر سبحانه وتعالى بعبادته وحده لا شريك له وبالإحسان إلى الوالدين الذين هما أمس الناس رحم وأعظمهم حقا وأحقهم بالبر والإحسان وحسن الصحبة ثم أمر بإيتاء القرابة والمحتاجين حقوقهم وقال عزوجل فى سورة النساء [glow1=FFCC00]{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء3[/glow1]6
فأوصى الله سبحانه وتعالى بعبادته وبالإحسان إلى خلقه من الوالدين والقرابة والجيران والأصحاب والضعفاء والمساكين وهذه الأيه كما ترون أيها الأحبة عامة فى جميع المذكورين من القريبين والبعدين والصالحين والفاسقين والمسلمين والكافرين فكلهم يجب العدل فى معاملتهم ويشرع الإحسان إليهم وإن كان لا شك أن حق المسلم أعظم من حق الكافر وحق القريب أاكد من حق البعيد ولكن الجميع يشرع لهم من البر والإحسان بحسب قربه ومنزلته وبحسب ما يناسبه ويصلح لمثله وعلى هذه الحقيقة العظيمة تواطأت رسالات السماء وأوصت بها جميع الأنبياء كما قال الله عزوجل فى سورة البقرة
[glow1=FF9900]( {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة83 [/glow1]
أى أن الله عزوجل لما أخذا الميثاق على بنى إسرائيل على ألسنة أنبيائهم ورسولهم بماذا,, أن يعبدوه ويوحدوه وان يحسنوا إلى الوالدين والأرحام واليتامى والمساكين بكل قول وفعل جميل ثم أكد أيضا بمشروعية الإحسان إلى كل الخلق على اختلاف مراتبهم فقال سبحانه (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) وقولوا للناس حسنى لم يقل للمسلمين أو القريبين أو ذوى الأرحام بل قال وقولوا لناس حسنى والحسن المؤمور به فى هذه الأية يشمل أمرين مهمين الأول أن يكون القول حسن لطيف جميل رقيق والثانية ان يقول قول نافع مفيدآ لا لغوآ ولا هدرا ولا قول باطل وهذا كما تلاحظون عام فى القريب والبعيد
والبر والفاجر والمسلم والكافر إلا ان يكون هذا الكافر محاربآ لله ورسوله وللمؤمنين فهذا يعامل بمثل ما يعاملنا به أما إذا لم يقاتلنا ولم يعن على قتالنا فحكمه كما قال الله عزوجل فى أية أخرى
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة
والعجب أيها الأحبة فى هذه الأية وهى فى المنهاج الذى نتعامل به مع المسلمين من الكفار أن الله عزوجل حذف المعمول فى قوله (أن تبروهم) غيرهم بماذا بالبشاشة بطلاقة الوجه بالصدق بالهدية بدعوتهم إلى الإسلام بالترقق فى معاملتهم لم يذكر الله عزوجل شيئآ معينآ من هذا قال أهل التفسير ليعم كل أنواع الإحسان بالقول والفعل فإذا كنا مأمورين بالإحسان إلى الكفار والبر بهم بكل قول جميل وفعل حميد من أجل تأليف قلوبهم على الإسلام ودعوتهم إليه فكيف بالمسلمين الحنفاء ولا شك