بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ .([1] )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· الشرح:
· قوله صلى الله عليه وسلميُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ): يوشك أي يقرب أن يكون خير مال المسلم (غنم) أي قطعة من الغنم، والغنم خير مال المسلم - حينئذ - ؛ لأن المعتزل عن الناس بالغنم يأكل من لحومها ونتاجها ويشرب من ألبانها ويستمتع بأصوافها باللبس وغيره ، وهي ترعى الكلأ في الجبال وترد المياه ؛ وهذه المنافع والمرافق لا توجد في غير الغنم . ([2] )
· قوله صلى الله عليه وسلم يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ ): شَعَفَ بِفَتْحَتَيْنِ الْأُولَى مُعْجَمَة وَالثَّانِيَة مُهْمَلَة، رُءُوس الْجِبَالوالشعفة يعني رأس الجبل. ([3] )و َهِيَ مِنْ كُلّ شَيْء أَعْلَاهُ. ([4] ) وقال : " يتبع بها " لأنها تعصم من لجأ إليها من عدو . ([5] )
· قوله صلى الله عليه وسلم وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ ):جمع موقع بكسر القاف وهو موضع نزول المطر ، سواء كان في سفح أو وعر، وسواء كان في علو أو سفول، فهو يتبع العشب والرعي، ويكون بذلك فاراً بدينه من الفتن؛ لأنه مشتغل بهذه الغنم يرعاها، ويشرب ويقتات من درها، ويكون بعيداً من الفتن وأهلها. ([6] )
· وهي أعم من شعف الجبال؛ لأن المقصود بها أماكن الرعي والخصب، وسواء كان ذلك في جبال أو في غير جبال، وهو من عطف العام على الخاص. ([7] )
· وفي تقديم شعف الجبال إشعار بالمبالغة في فضيلة الاعتزال عن الخلق في تلك الحال. ([8] )
· قوله صلى الله عليه وسلم يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ): يعني : يهرب خشية على دينه من الوقوع في الفتن ؛ فإن من خالط الفتن ، لم يسلم دينه من الإثم وقد مدح الله من فر بدينه خشية الفتنة عليه فقال - حكاية عن أصحاب الكهف _ ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ( [ الكهف : 16 ] . ([9] )
· هذا وقد جاءت هذه الأحاديث بذكر الشعاب والجبال وإتباع الغنم والله أعلم لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها الناس فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى مثل اسم الاعتكاف في المساجد ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس لأن من نأى عنهم سلموا منه وسلم منهم لما في مجالستهم ومخالطتهم من الخوض في الغيبة واللغو وأنواع اللفظ وبالله العصمة والتوفيق لا رب غيره. ([10] )
· فوائد منتقــــاة من الحديث:
1. فيه فضل العزلة في أيام الفتن.
2. وفيه الاحتراز عن الفتن وقد خرجت جماعة من السلف عن أوطانهم وتغربوا خوفا من الفتنة وقد خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة في فتنة عثمان t.
3. و فيه إخبار بأنه يكون في آخر الزمان فتن وفساد بين الناس وهذا من جملة معجزاته r.([11] )
· حكم العزلـــــة : قال الجمهور الاختلاط أولى لما فيه من اكتساب الفوائد الدينية للقيام بشعائر الإسلام وتكثير سواد المسلمين وإيصال أنواع الخير إليهم من إعانة وإغاثة وعيادة وغير ذلك .
· وقال قوم العزلة أولى لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين.
· وقال النووي المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلب على ظنه أنه يقع في معصية فان أشكل الأمر فالعزلة أولى.
· وقال غيره يختلف باختلاف الأشخاص :
أ- فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين .
ب- ومنهم من يترجح .
ج- فإذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال .
فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه إما عينا وإما كفاية بحسب الحال والإمكان ، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة فان وقعت الفتنة ترجحت العزلة لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور ، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما قال I] واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة [والله أعلم. ([12] )
والحمد لله رب العالمين أسأل الله تعالى أن يسددنا وأن يأيدنا وأن ينفعنا وأن ينفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام خير ختام
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لااله الا انت استغفرك واتوب اليك