بسم الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
العلماء ورثة الأنبياء والحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون منهم على الأذى يحيون بكتاب الله موتى القلوب ويبصرون بنور الله أهل العمى فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتن المضلين..
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رواه البخاري (100) ومسلم (2673) .
ومازال اهل العلم يذبون عن دين ويردون على كل ضال مضل
ومن علامة اهل البدع الوقيعة في اهل الاثر
للعلماء مكانة عظيمة فقد نوه بشأنهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط) الآية ولو كان غيرهم أشرف منهم لذكرهم في هذا المقام العظيم، و قال تعالى (إنما يخشى الله من عباده العلماء) أي الخشية الحقيقية. وفي الحديث (العلماء ورثة الأنبياء).
ومن أسباب علو شأنهم أن جعلهم الله من أسباب حفظ دينه فبنصبهم في التعلم أول الأمر ثم ما يقومون به بعد التأهل من التعليم والدعوة والبيان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرد على البدع والمنكرات والأهواء يحفظ الله دينه، ويصونه بهم عن التبديل والتحريف والتغيير.
وهذا الصنف من العلماء يواجهون أبداً هجمة شرسة من أهل الهوى وأهل الأهواء لأنهم يفسدون عليهم أباطيلهم ويعارضونهم في أهوائهم، ويفسدون عليهم مصالحهم التي يكتسبونها عن طريق الباطل فلا يرضون عنهم.
وحين تعييهم الحيل يلجؤون إلى قذف العلماء بالتهم الباطلة ويصفونهم بالأوصاف المخزية التي هم منها براء، لإسقاطهم، وزعزعة الثقة بهم، وصرف قلوب الأمة عنهم، هذا ما فعله أعداء الرسل مع الرسل، وهذا ما يفعله أهل الباطل مع علماء السنة، وقد صبر الرسل على ما كذبوا وأوذوا حتى جاء الله بالفرج، وهكذا على أتباعهم أن يصبروا ويحتسبوا حتى يأتي الله بنصره وفرجه. وإذا تكالب أهل الأهواء على العالم الذي له قدم صدق في الدعوة والبيان وإنكار المنكرات والرد على البدع والمحدثات كان على إخوانه من أهل العلم أن ينصروه وأن يذبوا عن عرضه بالحق والعدل والحجة والبرهان وأن يكشفوا الأباطيل التي يرمى بها لأن الذب عنه ذب عن الحق الذي يحمله ويدعو إليه ويخاصم لأجله، ولأن خصومة من يخاصمه من أهل الأهواء إنما تنتج ضيقاً بما يدعو إليه ويجاهد لأجله.
فالعلماء حملة الشريعة والقدح فيهم قدح في الشرع وصد عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه عن الصحابة (لكن إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلا بد من الذب عنهم وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل) وإنما وجب الرد عن الصحابة لأنهم نقلة الشريعة وأمناؤها فإسقاطهم إسقاط للشرع وفي أهل العلم من بعدهم شبه كبير بهم من هذه الحيثية فإنهم ورثتهم وحملة الشريعة بعدهم فصيانة أعراضهم مقصد عظيم. وضرورة لا غنى عنها.
وقد جاءت نصوص الشرع آمرة بالذب عن عرض المسلم عموماً إذا انتهك بغير حق فكيف إذا كان العرض الذي ينتهك بالباطل عرض عالم سني؟!.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوماً ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال عبد الله فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكبه وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون)
فهذا المنافق طعن في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي العلماء من أصحابه - والقراء هم العلماء في لغتهم - فكفره الله تعالى وذب عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعمن طعن فيهم من أصحاب نبيه، وعد صنيعه ذلك استهزاءً بالله وبآياته ورسوله. وفي هذا الخبر غيرة الرجل الذي استنكر كلام المنافق وذبه عن القراء بالغيب.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذب عن أعراض المسلمين وهكذا كان هدي أصحابه ففي الصحيحين من حديث عتبان بن مالك في خبر مجيئ النبي صلى الله عليه وسلم إليه في بيته قال (فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن فقال بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل . ألا تراه قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال الله ورسوله أعلم قال قلنا فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين فقال فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).
وفي الصحيحين أيضاً من حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن تبوك قال (ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك ما فعل كعب؟ فقال رجل من بني سلمة يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه. فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً فسكت رسول الله).
وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية جاءت أحاديث كثيرة تؤكد على الذب عن عرض المسلم إذا انتهك بغير حق ومما جاء في هذا الباب حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار) رواه أحمد بإسناد حسن،
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) رواه الترمذي وقال حديث حسن
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نصر أخاه بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة) رواه البيهقي في الشعب،
وعن معاذ بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من حمى مؤمنا من منافق أراه قال بعث الله ملكا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال) رواه أبو داود
وقال ابن مسعود رضي الله عنه (من اغتيب عنده مؤمن فنصره جزاه الله بها خيراً في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شراً، وما التقم أحد لقمة شراً من اغتياب مؤمن إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه وان قال فيه بما لا يعلم فقد بهته) أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
ثم أكد بعد ذلك أئمة السلف على ضرورة صيانة أعراض أهل العلم لا سيما من عرف منهم بالذب عن السنة والرد على مخالفيها حتى جعلوا الطعن فيهم علامة على انحراف الطاعن عن السنة، قال يحيى بن معين: (إذا رأيت الرجل يتكلم في حماد بن سلمة وعكرمة مولى ابن عباس فاتهمه على الإسلام).
وقال ابن المديني: (إذا رأيت الرجل يعتمد من أهل البصرة على أيوب السختياني وابن عون ويونس والتيمي ويحبهم ويكثر ذكرهم والاقتداء بهم فارج خيره ثم من بعد هؤلاء حماد بن سلمة ومعاذ بن معاذ ووهب بن جرير فإن هؤلاء محنة أهل البدع ..)
الطعن في علماء المنهج السلفي من علامات أهل البدع وسمات الزائغين عن الطريق السوي، وفي هذا قد جاءت الآثار الكثيرة عن أئمة السنة، وإليك بعضها:
قال أبو زرعة - رحمه الله - : (( إذا رأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري وزائدة: فلا تشك أنّه رافضي، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول والأوزاعي: فلا تشك أنّه ناصبي، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك: فلا تشك أنّه مرجئ، واعلم أنّ هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل؛ لأنّه ما من أحد إلا وفي قلبه منه سهم لا بُرْء له )) [طبقات الحنابلة ( 1/199-200 ) ].
وقال نعيم بن حمّاد: ((إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتّهمه في دينه، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير فاتّهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهـويه فاتّهمـه فـي دينـه)) [ تـاريخ بغـداد (6/348)، وتـاريخ دمشـق (8/132) ].
وقال أبو جعفر محمد بن هارون المخرمي الفلاّس: ((إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنَّه مبتدع ضالّ)) [ تقدمة الجرح والتعديل ( ص:308-309)، وتاريخ دمشق (5/294)].
وقال أبو حاتم الرازي: ((إذا رأيت الرّازي وغيره يبغض أبا زرعة فاعلـم أنَّـــه مبتدع)) [ تاريخ بغداد (10/329)، وتاريخ دمشق ( 38/31)].
وقال أبو حاتم -أيضاً-: ((علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر)) [السنة للالكائي (1/179)].
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني: ((وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي –صلى الله عليه وسلم- واحتقارهم واستخفافهم بهم)) [عقيدة السلف (101)].
وقال ابن أبي داود في قصيدته الشهيرة:
((ولاتك من قوم تلهوا بدينهم
فتطعن في أهل الحديث وتقدح)).
قال السفاريني: ((ولسنا بصدد ذكر مناقب أهل الحديث فإنَّ مناقبهم شهيرة ومآثرهم كثيرة وفضائلهم غزيرة، فمن انتقصهم فهو خسيس ناقص، ومن أبغضهم فهو من حزب إبليس ناكص)) [ لوائح الأنوار (2/355)] .
وقال ابن عساكر – رحمه الله ( إن لحوم العلماء مسمومة. وقال : إن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاه الله قبل موته بموت القلب
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي عند البخاري ( قال الله تعالى : من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب
وقال ابن عباس – رضي الله عنه : من آذى فقيهاً فقد آذى رسول الله عليه الصلاة والسلام – ومن آذى رسول الله فقد آذى الله .
والكلام فيهم أشد من غيرهم ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بُهتاناً وإثماً مبينا )
قال أبن القيم رحمه الله ..
الشاتمي أهل الحديث عــداوة***للسنة العليا مع الـقــــرآن
جعلوا مسبتهم طعـام حلوقهـم***فالله يقطعها مـن الأذقـــان
كبرا وإعجابا وتيهـا زائـــدا ***وتجاوزا لمراتـب الإنـسـان
قال الشيخ عبداللطيف آل الشيخ: ((ومن عادة أهل البدع إذا أفلسوا من الحجة وضاقت بهم السبل تروّحوا بعيـب أهل السنة وذمهم ومدح أنفسهم)).
فإياك أخي إياك أن تتكلم في مسلم بما ليس فيه، ولا أن تطعن في مسلم من غير بينة ولا دليل، وتذكر قول الله تعالى : ]يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[.
وهاهو الحافظ ابن عساكر يذكر من أراد النجاة يوم الميعاد فيقول :
(اعلم أخي وفقنا الله وإياكَ لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاتهِ ، إن لحوم العلماء مسمومة ، وعادة الله في هتك أستار منتـقصيهم معلومة ، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمرٌ عظيم ، والتناول لأعراضهم بالزورِ والافتراء مرتعٌ وخيم.) الطاعنون في علمائنا لا يضرون إلا أنفسهم ، وهم يستجلبون بفعلتهم الذِلَةَ والصغار إذ الله يدافع عن الذين أمنوا ، وهو جلَ وعلا لا يصلح عمل المفسدين .
قال الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه وأرضاه ( لُحوم العلماء مسمومة من شمها مَرِض ، ومن أكلها مات ). وقال الحافظ ابن عساكر :
( من أطلق لسانه في العلماء بالسب أو الثلب ابتلاه الله قبل موته بموتِ القلب ). الطاعنون في علماء التوحيد والسنة أهل مكرٍ وخديعةٍ إن لم يقدروا على التصريح لمحوا ، فتنبهوا يا عباد الله لألا تُخدَعُوا. .
وإهمال الذب عن أعراض حماة الدين وحراس العقيدة عند وجود المقتضي من كثرة الطعن فيهم وظلمهم ولمزهم بالألقاب المنفرة يولد فساداً كبيراً ومنه :
أولاً: ترك الواجب الشرعي في الذب عن عرض المسلم، فإن عرض المسلم حرام ولو كان من عامة الناس فكيف بعرض العالم المقتدى به المنتفع بعلمه.
ثانياً: أن الطعن في العالم السلفي الذي قصم الله به ظهور أهل الأهواء يعني الطعن في الحق الذي يدعو إليه ومعلوم أن أهل الباطل لا يطعنون في العالم لأجل شخصه ولحمه ودمه إنما يطعنون فيه لمنهجه وجهاده وحسن بلائه.
فالطعن فيه طعن في الحق وسكوت من يسكت من أهل العلم قد يفهمه بعض الناس إقراراً منهم لذلك الطعن، وقد يستغل هذا السكوت أهل الباطل فيلبسون على الناس فيقولون لو كان موقفه حقاً لأيده العلماء، لو كان نقدنا له بالباطل لرد علينا العلماء فتنطلي مثل هذه الشبهة على كثير من الناس فيهلكون بها.
ثالثاً: أن خذلان العالم السلفي من قبل من ينتظر منهم النصره وإسلامهم له وحيداً أو شبه وحيد يواجه التهم والطعون قد يفت في عضده، ويوهن من عزيمته فالعالم بشر يعتريه ما يعتريه من الضعف والوهن ولذا أوصى الله عباده بالتناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
رابعاً: قد يكون في هذا الصمت فتنة لعوام أهل السنة والمبتدئين من طلبة العلم الذين لم ترسخ العقيدة في قلوبهم، فينحرفون عن السنة بسبب قوة الشبهات والأباطيل التي لا يجدون لها جواباً فينقلبون على أعقابهم فيبغضون علماء السنة بعد محبتهم، ويوالون أهل البدع بعد بغضهم لهم وعداوتهم إياهم، وإذا كان هذا أثره على كثير من عوام أهل السنة فما ظنك بأثره على أهل البدع أصلاً.
إن الدعاية السيئة لها أثرها البالغ في قلب الحق وإظهار المحق في صورة المبطل وما أكثر ما أعرض الناس عن الحق وأهله بسبب الدعايات المضلة.
ونحن في هذه الأيام نشاهد من الوقيعة في علماء السنة ما لا يكاد يوجد له مثيل في التاريخ الإسلامي، حيث قامت تيارات تلبس لباس السلفية والأثر وتتظاهر بذم البدع وأهلها لكنها أبانت عن حقيقة ما تخفي يوم وجهت سهامها المسمومة إلى ثلة من رجالات الإسلام وأئمة العلم وأنصار السنن فطعنت - على سبيل المثال لا الحصر - في النووي والإمام الذهبي وفي الحافظ ابن حجر وفي العلامة الشوكاني بسبب بعض الأخطاء التي وقعت منهم وهي مغفورة مغمورة في جانب عظيم خدمتهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبيان أحكام الشريعة، ولمزت شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وطعنت في ثلة من كبار العلماء المعاصرين المشهود لهم بالصدق والأمانة والرسوخ في العلم والذب عن السنة كالعلامة الألباني رحمه الله، وخصوا هذه الأيام الشيخ ربيع بن هادي المدخلي بأكثر جهودهم فافتروا عليه ما لم يقل وحملوا كلامه ما لا يحتمل وطعنوا فيه وسخروا منه وتهكموا به بأساليب رخيصة يربأ أهل العلم بأنفسهم عنها، والشيخ ليس بمعصوم بل يخطئ ويصيب ولو كان الرد رداً علمياً على خطإ علمي لما اعترض أحد بل لشكروا للراد بحق وظني بالشيخ أن يكون أول الشاكرين ولكن المسألة كما رأيتَ خرجتْ إلى حيز الطعن والافتراء والكذب.
وقد تواتر الخبر عن مقدم هذه الطائفة الجراءة على الكذب الصريح والعياذ بالله، ولا شك أن هذا المنهج ينذر انتشاره ونموه بخطر عظيم فإنه يفصل الأمة عن علمائها قديماً وحديثاً، ويفصل شباب المسلمين عن تراثهم العلمي الضخم الذي خلفه جهابذة الإسلام وما من فرد منهم إلا وله غلط فلو رمي تراثهم لتلك الأغلاط لما بقي للأمة شيء.
ومن مفاسد هذا المنهج تربية أتباعه على الكذب والتلبيس والظلم والزور والبهتان والولوغ في الأعراض بغير حق وبئست التربية.
فإن طعن بعض السفهاء في علماء السنة والحديث، وحملة الدعوة السلفية طعن في الشريعة، وتنفير من السنة التي يلزم نشرها بين الناس.قال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-:
"إذا رأيت الرجل يبغض مالكًا فاعلم أنه مبتدع" (الديباج 71).
وقال الإمام شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي –رحمه الله-:
"والوقيعة في أهل العلم ولا سيّما في أكابرهم من كبائر الذنوب"اهـ. (الرد الوافر 303).
وما طعنو فيهم الا لانهم صاروا شوكة في حلوق أمثال هذا الغمر، وما يزعمه في –موقعه- ويدندن حوله بأنه من الطائفة المنصورة الناجية فحاشا وكلا أن يكون منهم وهو في حينه يطعن ويغمز علماء أهل الحديث الذين لهم الفضل في نشر التوحيد والسنة ويصدعون بالحق وينشرونه بين الناس ولا يخافون أحدا إلا الله.
فحري والله من كان حالهم مثل هذا الغمر أن يصنف مع أعداء الطائفة المنصورة الناجية لأنه مصادم ومخالف لهم في طرائقهم.
فما عهدنا على أهل الحديث وحملته إلا حبهم لكبرائهم وشيوخهم النبهاء، الذين تسعد الأمة بهم.
قال الخطيب البغدادي:
" قد جعل الله تعالى أهله أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه أو تستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث؛ فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع، ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقاريء متقن، وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير " وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ " ". أ. هـ. " شرف أصحاب الحديث " (ص8،9)..
ولم يجد هذا الغمر سبيلا إلا الطعن فيهم حتى يخلو له الجو، وينشر باطله فتموج أرائه الكاسدة يمينا وشمالا على بعض الشباب المسكين.
ثم ما هي مسائل الإيمان التي غاب فهمها عن علمائنا وظهرت لك!
فلتتق الله في نفسك وفي بعض الشباب الذين للأسف ما زالوا في موقعك، ولتتذكروا جميعا أنكم موقوفون بين يدي الله
والحمد لله رب العالمين أسأل الله تعالى أن يسددنا وأن يأيدنا وأن ينفعنا وأن ينفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. والصلاة والسلام على من لانبي بعده >>>