ادعاء حق التشريع والتحليل والتحريم:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
تشريع الأحكام التي يسير عليها العباد في عبادتهم ومعاملاتهم وسائر شئونُهم والتي تفصل النزاع بينهم وتنهي الخصومات حق للّه تعالى رب الناس وخالق الخلق : " أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ"....[ الأعراف : 54 ] ، وهو الذي يعلم ما يصلح عباده فيشرعه لهم .
فبحكم ربوبيته لهم يشرعّ لهم . وبحكم عبوديتهم له يقبلون أحكامه - والمصلحة في ذلك عائدة إليهم - قال تعالى : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " [ النساء : 59 ] ،
وقال تعالى : " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي " . . . [ الشورى : 10 ] ،
واستنكر سبحانه أن يتخذ العباد مُشرِّعا غيره فقال : " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ " . . .
[ الشورى : 21 ] .
فمن قبل تشريعا غير تشريع اللّه فقد أشرك باللّه تعالى وما لم يشرعه اللّه ورسوله من العبادات فهو بدعة . وكل بدعة ضلالة - قال صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » [البخاري ومسلم] . وفي رواية : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » [رواه مسلم] .
وما لم يشرعه اللّه ولا رسوله في السياسة والحكم بين الناس فهو حكم الطاغوت وحكم الجاهلية : " أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ "
[ المائدة : 50 ] ، وكذلك التحليل والتحريم حق للّه تعالى ، لا يجوز لأحد أن يشاركه فيه . قال تعالى : " وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ " [ الأنعام : 121 ] .
فجعل سبحانه طاعة الشياطين وأوليائهم في تحليل ما حرم اللّه شركا به سبحانه .
وكذلك من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل اللّه أو تحليل ما حرم اللّه ، فقد اتخذهم أربابا من دون اللّه ، لقول اللّه تعالى : " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " [ التوبة : 31 ] ، وعند الترمذي وغيره « أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية على عدي بن حاتم الطائي رضي اللّه عنه فقال : ( يا رسول الله لسنا نعبدهم . قال : أليس يحلون لحكم ما حرم اللّه فتحلونه ، ويحرمون ما أحل اللّه فتحرمونه ؟ قال : بلى . قال النبي صلى الله عليه وسلم فتلك عبادتهم ) » [ رواه الترمذي وابن جرير وغيرهما] فصارت طاعتهم في التحليل والتحريم من دون اللّه عبادة لهم وشركا - وهو شرك أكبر ينافي التوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا اللّه فإن من مدلولها أن التحليل والتحريم حق له تعالى - وإذا كان هذا فيمن أطاع العلماء والعباد في التحليل والتحريم الذي يخالف شرع اللّه مع أنهم أقرب إلى العلم والدين ، وقد يكون خطؤهم عن اجتهاد لم يصيبوا فيه الحق وهم مأجورون عليه ، فكيف بمن يطيع أحكام القوانين الوضعية التي هي من صنع الكفار والملحدين - يجلبها إلى بلاد المسلمين ويحكم بها بينهم - فلا حول ولا قوة إلا بالله .
إن هذا قد اتخذ الكفار أربابا من دون الله ، يشرعون له الأحكام ، ويبيحون له الحرام ، ويحكمون بين الأنام .
والحمد لله رب العالمين أسأل الله تعالى أن يسددنا وأن يأيدنا وأن ينفعنا وأن ينفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. والصلاة والسلام على من لانبي بعده >>>