شرح الثلاثة أصول
للإمام المجدد
محمد بن عبد الوهاب
ترجمةالشارح
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(رحمة الله عليه)
الدرس 25
بسم الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
توقفنا في درسنا السابق
وقال جل وعلا: ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160) . فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة فضلاً من الله عز وجل وامتناناً منه سبحانه وتعالى ، فهو جلّ وعلا قد تفضل بالعمل الصالح ، ثم تفضل مرة أخرى بالجزاء عليه هذا الجزاء الواسع الكثير ، أما العمل السيء فإن السيئة بمثلها لا يجازى الإنسان بأكثر منها قال تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160) وهذا من كمال فضل الله وإحسانه.
ثم أستدل الشيخ لذلك بقوله تعالى: ) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا) ولم يقل بالسوآي كما قال : ( وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى).
واليوم نكمل ان شاء الله
ومن كذب بالبعث كفر ،
والدليل قوله تعالى : )زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)
من كذب بالبعث فهو كافر
لقوله تعالى: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (الأنعام:30) ،
وقال تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (المطففين:10 - 17) ،
وقال تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (الفرقان:11)
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (العنكبوت:23)
واستدل الشيخ رحمه الله تعالى بقوله تعالى: } زعم الذين كفروا{ الآية.
وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي:
أولاً : أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية ، والشرائع السماوية ، وتلقته أممهم بالقبول، فيكف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل ولا في شهادة الواقع ؟
ثانياً : أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه، وذلك عن وجوه:
1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقاً بعد العدم، وأنه حادث بعد أن لم يكن، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى، كما قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )(الروم: من الآية27)
وقال تعالى: ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)(الأنبياء: من الآية104)
2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السموات والأرض لكبرهما وبديع صنعتهما ، فالذي خلقهما قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى ؛ قال الله تعالى : )لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)(غافر: من الآية57)
وقال تعالى : )أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأحقاف:33) ،
وقال تعالى: )أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّـس: 81- 82)
3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات، فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت ، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم ،
قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (فصلت:39)
ثالثاً : أن أمر البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله تعالى به من وقائع احياء الموتى ، وقد ذكر الله تعالى من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث منها،
قوله: )أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259)
رابعاً: أن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً لا قيمة له، ولا حكمة منه، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة.
قال الله تعالى: )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون:115- 116) ،
وقال الله تعالى: )إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) (طـه:15) ،
وقال تعالى : )وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ* بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ* إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل:38-40)
وقال تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (التغابن:7) .
فإذا بينت هذه البراهين لمنكري البعث وأصروا على إنكارهم ، فهم مكابرون معاندون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين والدليل قوله تعالى )رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )
بين المؤلف رحمه الله تعالى أن الله أرسل جميع الرسل مبشرين ومنذرين كما قال تعالى: } رسلاً مبشرين ومنذرين{ يبشرون من أطاعهم بالجنة وينذرون من خالفهم بالنار.
وإرسال الرسل له حكم عظيمة من أهمها بل هو أهمها أن تقوم الحجة على الناس حتى لا يكون لهم على الله حجة بعد إرسال الرسل كما قال تعالى: ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ).
ومنها أنه من تمام نعمة الله على عباده فإن العقل البشري مهما كان لا يمكنه أن يدرك تفاصيل ما يجب لله تعالى من الحقوق الخاصة به، ولا يمكنه أن يطلع على ما لله تعالى من الصفات الكاملة ، ولا يمكن أن يطلع على ماله من الأسماء الحسنى ولهذا أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
وأعظم ما دعا إليه الرسل من أولهم نوح عليه الصلاة والسلام إلى آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم التوحيد
كما قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (النحل: من الآية36)
وقال عز وجل : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25) .
وأولهم نوح عليه السلام ، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)
بين شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام واستدل لذلك بقوله تعالى: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) {سورة النساء، الآية: 163}
وثبت في الصحيح من حديث الشفاعة: " إن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض" (70)
فلا رسول قبل نوح وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا إن ادريس عليه الصلاة والسلام قبل نوح بل الذي يظهر أن إدريس من أنبياء بني إسرائيل.
وآخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى } مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب:40)
فلا نبي بعده ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر مرتد عن الإسلام.
كل أمة بعث الله إليها رسول أي أن الله بعث في كل أمة رسولاً يدعوهم إلى عبادة الله وحده وينهاهم عن الشرك
ودليل ذلك قول الله تعالى: ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)(فاطر: من الآية24)
وقال
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (النحل: من الآية36)
من نوح إلى محمد ؛ يأمرهم بعادة الله وحده ، وينهاهم عن عبادة الطاغوت ، والدليل قوله تعالى : )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) هذا هو معنى لا إله إلا الله.
وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. قال ابن القيم - رحمه الله تعالى-الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع ، أو مطاع
أراد شيخ الإسلام رحمه الله بهذا أن التوحيد لايتم إلا بعبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت.
وقد فرض الله ذلك على عباده ، والطاغوت مشتق من الطغيان ، والطغيان مجاوزة الحد ومنه قوله تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) (الحاقة:11)
يعني لما زاد الماء عن الحد المعتاد حملناكم في الجارية يعني السفينة. واصطلاحاً أحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره ابن القيم - رحمه الله - أنه - أي الطاغوت-: "كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع ، أو مطاع" . ومراده بالمعبود والمتبوع والمطاع غير الصالحين ، أما الصالحون فليسوا طواغيت وإن عبدوا - أو اتبعوا - أو أطيعوا فالأصنام التي تعبد من دون الله طواغيت ، وعلماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر ، أو يدعون إلى البدع، أو إلى تحليل ما حرم الله ، أو تحريم ما أحل الله طواغيت ، والذين يزينون لولاة الأمر الخروج عن شريعة الإسلام بنظم يستوردونها مخالفة لنظام الدين الإسلامي طواغيت ، لأن هؤلاء تجاوزوا حدهم ، فإن حد العالم أن يكون متبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لأن العلماء حقيقة ورثة الأنبياء، يرثونهم في أمتهم علماً وعملاً ، وأخلاقاً ، ودعوة وتعليماً ، فإذا تجاوزوا هذا الحد وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة الإسلام بمثل هذه النظم فهم طواغيت ؛ لأنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن يكونوا عليه من متابعة الشريعة.
وأما قوله - رحمه الله - "أو مطاع" فيريد به الأمراء الذين يطاعون شرعاً أو قدراً ، فالأمراء يطاعون شرعاً إذا أمروا بما لا يخالف أمر الله ورسوله وفي هذه الحال لا يصدق عليهم أنهم طواغيت ، والواجب لهم على الرعية السمع والطاعة ، وطاعتهم لولاة الأمر في هذا الحال بهذا القيد طاعة لله-عز وجل -
ولهذا ينبغي أن نلاحظ حين ننفذ ما أمر به ولي الأمر مما تجب طاعته فيه أننا في ذلك نتعبد لله تعالى ونتقرب إليه بطاعته ، حتى يكون تنفيذنا لهذا الأمر قربة إلى الله عز وجل وإنما ينبغي لنا أن نلاحظ ذلك لأن الله تعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: من الآية59).
وأما طاعة الأمراء قدراً فإن الأمراء إذا كانوا أقوياء في سلطتهم فإن الناس يطيعونهم بقوة السلطان وإن لم يكن بوازع الإيمان ، لأن طاعة ولي الأمر تكون بوازع الإيمان وهذه هي الطاعة النافعة، النافعة لولاة الأمر، والنافعة للناس أيضاً، وقد تكون الطاعة بوازع السلطان بحيث يكون قوياً يخشى الناس منه ويهابونه لأنه ينكل بمن خالف أمره.
ولهذا نقول إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة لهم أحوال:
الحال الأولى: أن يقوى الوازع الإيماني والرادع السلطاني وهذه أكمل الأحوال وأعلاها.
الحال الثانية: أن يضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني وهذه أدنى الأحوال وأخطرها على المجتمع، على حكامه ومحكوميه؛ لأنه إذا ضعف الوازع الإيماني والرادع السلطاني حصلت الفوضى الفكرية والخلقية والعملية.
الحال الثالثة: أن يضعف الوازع الإيماني ويقوى الرادع السلطاني وهذه مرتبة وسطى لأنه إذا قوى الرادع السلطاني صار أصلح للأمة في المظهر فإذا اختفت قوة السلطان فلا تسأل عن حال الأمة وسوء عملها .
الحال الرابعة: أن يقوى الوازع الإيماني ويضعف الرادع السلطاني فيكون المظهر أدنى منه في الحال الثالثة لكنه فيما بين الإنسان وربه أكمل وأعلى .
والحمد لله رب العالمين أسأل الله تعالى أن يسددنا وأن يأيدنا وأن ينفعنا وأن ينفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. والصلاة والسلام على من لانبي بعده >>>