الدرس السادس عشر
شرح الثلاثة أصول
للإمام المجدد
محمد بن عبد الوهاب
ترجمةالشارح
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(رحمة الله عليه)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
توقفنا في درسنا السابق
والإيمان بالله تعالى على ما وصفنا يثمر للمؤمنين ثمرات جليلة منها:
الأولى: تحقيق توحيد الله تعالى بحيث لا يتعلق بغيره رجاء، ولا خوفاً ، ولا يعبد غيره.
الثانية: كمال محبة الله تعالى ، وتعظيمه بمقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
الثالثة: تحقيق عبادته بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.
واليوم نكمل ان شاء الله
من مراتب الايمان:
وملائكته
الملائكة: عالم غيبي مخلوقون ، عابدون لله تعالى ، وليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ، خلقهم الله تعالى من نور ، ومنحهم الانقياد التام لأمره، والقوة على تنفيذه.
قال الله تعالى: ( وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) (الأنبياء:19- 20) .
وهم عدد كثير لا يحصيهم إلا الله تعالى،
وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه في قصة المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع له البيت المعمور في السماء يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودا إليه آخر ما عليهم.(39)
والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بوجودهم.
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل) ومن لم نعلم اسمه نؤمن بهم إجمالاً.
الثالث: الإيمان بما علمنا من صفاتهم، كصفة ( جبريل ) فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه على صفته التي خلق عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق
وقد يتحول الملك بأمر الله تعالى إلى هيئة رجل ، كما حصل (لجبريل) حين أرسله تعالى إلى- مريم - فتمثل لها بشراً سوياً ،
وحين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه جاءه بصفة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه أحد من الصحابة ، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، والإيمان والإحسان ، والساعة ، وأماراتها ، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". رواه مسلم.(41)
وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم، ولوط كانوا في صورة رجال.
الرابع: الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى، كتسبيحه، والتعبد له ليلاً ونهاراً بدون ملل ولا فتور.
وقد يكون لبعضهم أعمال خاصة.
مثل: جبريل الأمين على وحي الله تعالى يرسله به إلى الأنبياء والرسل.
ومثل: ميكائيل الموكل بالقطر أي بالمطر والنبات.
ومثل: إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق.
ومثل: ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت.
ومثل: مالك الموكل بالنار وهو خازن النار.
ومثل: الملائكة الموكلين بالأجنة في الأرحام إذا تم للإنسان أربعة أشهر في بطن امه ، بعث الله إليه ملكاً وأمره بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد.
ومثل: الملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها لكل شخص ، ملكان : أحدهما عن اليمين، والثاني عن الشمال.
ومثل: الملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه، ودينه، ونبيه.
والإيمان بالملائكة يثمر ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم بعظمة الله تعالى، وقوته ، وسلطانه ، فإن عظمة المخلوق من عظمة الخالق.
الثانية: شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم ، حيث وكل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم، وكتابة أعمالهم ، وغير ذلك من مصالحهم.
الثالثة: محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى.
وقد أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجساماً ، وقالوا إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات ، وهذا تكذيب لكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
قال الله تعالى : )الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)(فاطر:الآية1).
وقال: )وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) (الأنفال:الآية50)
وقال: ) وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ)(الأنعام:الآية93)
وقال: ) حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)(سـبأ:الآية23)
وقال في أهل الجنة : ) وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ)(الرعد:الآية23)
)سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:24) .
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء، إن الله يحب فلانأ فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض".(42)
من مراتب الايمان:
وكتبه
الكتب: جمع ( كتاب ) بمعنى ( مكتوب ).
والمراد بها هنا : الكتب التي أنزلها تعالى على رسله رحمة للخلق ، وهداية لهم ، ليصلوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.
والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن نزولها من عند الله حقاً.
الثاني: الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه كالقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والتوراة التي أنزلت على موسى صلى الله عليه وسلم ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى صلى الله عليه وسلم، والزبور الذي أوتيه داود صلى الله عليه وسلم وأما لم نعلم اسمه فنؤمن به إجمالاً.
الثالث: تصديق ما صح من أخبارها ، كأخبار القرآن ، وأخبار مالم يبدل أو يحرف من الكتب السابقة.
الرابع: العمل باحكام ما لم ينسخ منها ، والرضا والتسليم به سواء
فهمنا حكمته أم لم نفهمها ، وجميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن العظيم
قال الله تعالى
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْه)(المائدة:الآية48)
أي ( حاكماً عليه ) وعلى هذا فلا يجوز العمل بأي حكم من أحكام الكتب السابقة إلا ما صح منها وأقره القرآن.
والإيمان بالكتب يثمر ثمرات جليلة منها:
الأولى: العلم بعناية الله تعالى بعباده حيث أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم به.
الثانية: العلم بحكمة الله تعالى في شرعه حيث شرع لكل قوم ما يناسب أحوالهم.
كما قال الله تعالى : ) لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً )(المائدة:الآية48)
والحمد لله رب العالمين أسأل الله تعالى أن يسددنا وأن يأيدنا وأن ينفعنا وأن ينفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. والصلاة والسلام على من لانبي بعده >>>