الدرس الرابع عشر
شرح الثلاثة أصول
للإمام المجدد
محمد بن عبد الوهاب
ترجمةالشارح
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
(رحمة الله عليه)
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تسآءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }
أما بعد ... فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
توقفنا في درسنا السابق
وقوله: } قُلْ (1) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ (2) سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ(3) فَإِنْ تَوَلَّوْا (4) فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {(5) { آل عمران: 64}.
(1) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لمناظرة أهل الكتاب اليهود والنصارى.
(2) } تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم{ هذه الكلمة هي ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ، ولا يتخذ بعضانا بعضاً أرباباً من دون الله فلا نعبد إلا الله هي معنى "لا إله إلا الله" ، ومعنى } سواء بيننا وبينكم { أننا نحن وإياكم سواء فيها.
(3) أي لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله عز وجل بحيث يعظم كما يعظم الله عز وجل ، ويعبد كما يعبد الله ، ويجعل الحكم لغيره.
(4) } فإن تولوا{ أعرضوا عما دعوتموهم إليه.
(5) أي فأعلنوا لهم وأشهدوهم أنكم مسلمون لله ، بريئون مما هم عليه من العناد والتولي عن هذه الكلمة العظيمة "لا إله إلا الله" .
واليوم نكمل ان شاء الله
ودليل شهادة أن محمداً رسول الله قوله تعالى: } لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (1) عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ (2) حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ (3) بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (4)
(1) قوله } مِنْ أَنْفُسِكُمْ { أي من جنسكم بل هو من بينكم أيضاً كما قال تعالى: )هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2) .
(2) أي يشق عليه ما شق عليكم.
(3) أي على منفعتكم ودفع الضر عنكم.
(4) أي ذو رأفة ورحمة بالمؤمنين ،
وخص المؤمنين بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، وهذه الأوصاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه رسول الله حقاً
كما دل على ذلك قوله تعالى : )مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ )(الفتح:الآية29) وقوله تعالى : )قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً )(الأعراف:الآية158)
والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً تدل على أن محمداً رسول الله حقاً.
ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع
معنى شهادة "أن محمداً رسول الله" هو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله - عز وجل - إلى جميع الخلق من الجن والإنس كما قال الله تعالى: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)
ولا عبادة لله تعالى إلا عن طريق الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ) تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1)
ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع ،
ومقتضى هذه الشهادة أيضاً أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حقاً في الربوبية وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة ، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع أو الضر إلا ما شاء الله كما قال الله تعالى: )قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأنعام:الآية50)
فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به ، وقال الله تعالى: )قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الجـن:21-22)
وقال سبحانه : )قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:188) .
وبهذا تعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من المخلوقين ، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده. )قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163) .
وأن حقه صلى الله عليه وسلم ، أن تنزله المنزلة التي أنزله الله تعالى أياها وهو أنه عبد الله ورسوله ، صلوات الله وسلامه عليه.
ودليل الصلاة ، والزكاة ، وتفسير التوحيد قوله تعالى: } وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلواة ويؤتوا الزكاة(2)وذلك(3) دين القيمة {(4) {سورة البينة، الآية: 5}
ودليل الصلاة ، والزكاة
أي أن الصلاة والزكاة من الدين قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5)
وتفسير التوحيد قوله تعالى: } وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلواة ويؤتوا الزكاة(2)وذلك(3) دين القيمة {(4) {سورة البينة، الآية: 5}
وهذه الآية عامة شاملة لجميع أنواع العبادة فلا بد أن يكون الإنسان فيها مخلصاً لله عز وجل حنيفاً متبعاً لشريعته.
(2) هذا من باب عطف الخاص على العام ، لأن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. من العبادة ولكنه سبحانه وتعالى نص عليهما لما لهما من الأهمية فالصلاة عبادة البدن، والزكاة عبادة المال وهما قرينتان في كتاب الله عز وجل.
(3) أي عبادة الله مخلصين له الدين حنفاء ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة.
(4) أي دين الملة القيمة التي لا اعوجاج فيها لأنها دين الله عز وجل ودين الله مستقيم كما قال الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153) .
وهذه الآية الكريمة كما تضمنت ذكر العبادة والصلاة فقد تضمنت حقيقة التوحيد وأنه الإخلاص لله عز وجل من غير ميل إلى الشرك ، فمن لم يخلص لله لم يكن موحداً ، ومن جعل عبادته لغير الله لم يكن موحداً .
ودليل الصيام (1) قوله تعالى: } يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون{ (2)
(1) أي دليل وجوبه قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183) وفي قوله } كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ { فوائد:
أولاً : أهمية الصيام حيث فرضه الله عز وجل على الأمم من قبلنا وهذا يدل على محبة الله عز وجل له وأنه لازم لكل أمة.
ثانياً: التخفيف على هذه الأمة حيث إنها لم تكلف وحدها بالصيام الذي قد يكون فيه مشقة على النفوس والأبدان.
ثالثاً : الإشارة إلى أن الله تعالى أكمل لهذه الأمة دينها حيث أكمل لها الفضائل التي سبقت لغيرها.
(2) بين الله عز وجل في هذه الآية حكمة الصيام بقوله } لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { أي تتقون الله بصيامكم وما يترتب عليه من خصال التقوى وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الفائدة بقوله: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه(33).
ودليل الحج (2) قوله تعالى: } ولله على الناس حج البيت مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(1) (آل عمران:الآية97).
(3) أي دليل وجوبه قوله تعالى: ) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )إلخ.
وهذه الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة وبها كانت فريضة الحج ولكن الله عز وجل قال. } من استطاع إليه سبيلاً { ففيه دليل على أن من لم يستطع فلا حج عليه.
(1) في قوله تعالى ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران:الآية97) دليل على أن ترك الحج ممن استطاع إليه سبيلاً يكون كفراً ولكنه كفر لا يخرج من الملة على قول جمهور العلماء لقول عبد الله بن شقيق: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة" (34)
المرتبة الثانية
أي مراتب الدين .
،الإيمان
الإيمان في اللغة التصديق.
وفي الشرع "اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح وهو بضع وسبعون شعبة" .
وهو بضع
البضع: بكسر الباء من الثلاثة إلى التسعة.
وسبعون شعبة
الشعبة : الجزء من الشيء.
فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى
أي إزالة الأذى وهو ما يؤذي المارة من أحجار وأشواك ، ونفايات وقمامة وماله رائحة كريهة ونحو ذلك.
عن الطريق، والحياء
الحياء صفة إنفعالية تحدث عند الخجل وتحجز المرء عن فعل ما يخالف المروءة.
والجمع بين ما تضمنه كلام المؤلف رحمه الله تعالى من أن الإيمان بضع وسبعون شعبة وأن الإيمان أركانه ستة أن نقول: الإيمان الذي هو العقيدة أصوله ستة وهي المذكورة في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: "الإيمان أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره"(35)
وأما الإيمان الذي يشمل الأعمال وأنواعها وأجناسها فهو بضع وسبعون شعبة ولهذا سمى الله تعالى الصلاة إيماناً في قوله : ) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ)(البقرة:الآية143)
قال المفسرون يعني صلاتكم إلى بيت المقدس لأن الصحابة كانوا قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى الكعبة يصلون إلى بيت المقدس.
والحمد لله رب العالمين أسأل الله تعالى أن يسددنا وأن يأيدنا وأن ينفعنا وأن ينفع بنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. والصلاة والسلام على من لانبي بعده >>>