الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين.. وبعد:
الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء، كما كان رسول الله وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له، والأضحية عن الأموات على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها وأصل هذا قوله تعالى: فَمَن بَدَّلَهُ بَعدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيع عَلِيمٌ [البقرة:181].
الثالث: أن يُضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء، فهذه جائزة. وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع بها قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنّة؛ لأن النبي لم يضح عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة، وهو من أعزّ أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهنّ ثلاث بنات متزوجات وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة، وهي من أحب نسائه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض الناس، يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها ( أضحية الحفرة )، ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أَو يضحّون عن أمواتهم تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم، ولا يضحّون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك.
.................................................
ما يجتنبه من أراد الأضحية
إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أضفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي مطوية و بحث عن فضل أيام عشر ذي الحجة قال: { إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره } [رواه أحمد ومسلم]، وفي لفظ: { فلا يمسَّ من شعره ولا بشره شيئاً حتى يضحي } وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته، ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
والحكمة في هذا النهي أنَّ المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه، وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم.
وهذا الحكم خاص بمن يضحّي، أما المضحَّى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي قال: { وأراد أحدكم أن يضحي... } ولم يقل: أو يضحّى عنه؛ ولأن النبي كان يضحّي عن أهل بيته، ولم يُنقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية كما يظن بعض العوام.
وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه، مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصّه، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله، أو يحتاج إلى قصّه لمداواة جرح ونحوه.