تعالى: , جهولا , ظلوما
قال تعالى: { إنه كان ظلوما جهولا }
قال الله تعالى :{ إنه كان ظلوما جهولا } الآية
ولو علم هذا الظالم الجاهل أن بلاءه من نفسه ومصابه منها وأنها أولى بكل ذم وظلم وأنها مأوى كل سوء و إن الإنسان لربه لكنود قال ابن عباس ومجاهد وقتادة كفور جحود لنعم الله وقال الحسن هو الذي يعد المصائب وينسى النعم وقال أبو عبيدة هو قليل الخير والأرض الكنود التي لا نبت بها وقيل التي لا تنبت شيئا من المنافع وقال الفضل ابن عباس الكنود الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان
ولو علم هذا الظالم الجاهل أنه هو القاعد على طريق مصالحه يقطعها عن الوصول إليه فهو الحجر في طريق الماء الذي به حياته وهو السكر الذي قد سد مجرى الماء إلى بستان قلبه ويستغيث مع ذلك العطش العطش وقد وقف في طريق الماء ومنع وصوله إليه فهو حجاب قلبه عن سر غيبه وهو الغيم المانع لإشراق شمس الهدى على القلب فما عليه أضر منه ولا له أعداء أبلغ في نكايته وعداوته منه
ما تبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
فتبا له ظالما في صورة مظلوم وشاكيا والجناية منه قد جد في الإعراض وهو ينادي طردوني وأبعدوني ظهره الباب بل أغلقه على نفسه وأضاع مفاتيحه وكسرها ويقول :
دعاني وسد الباب دوني فهل إلى ... دخولي سبيل بينوا لي قصتي
يأخذ الشفيق بحجزته عن النار وهو يجاذبه ثوبه ويغلبه ويقتحمها ويستغيث ما حيلتي وقد قدموني إلى الحفيرة وقذفوني فيها والله كم صاح به الناصح الحذر الحذر إياك إياك وكم أمسك بثوبه وكم أراه مصارع المقتحمين وهو يأبى إلا الإقتحام
وكم سقت في آثاركم من نصيحة ... وقد يستفيد الظنة المتنصح
يا ويله ظهيرا للشيطان على ربه خصما لله مع نفسه جبري المعاصي قدري الطاعات عاجز الرأي مضياع لفرصته قاعد عن مصالحه معاتب لأقدار ربه يحتج على ربه بما لا يقبله من عبده وامرأته وأمته إذا احتجوا به عليه في التهاون في بعض أمره فلو أمر أحدهم بأمر ففرط فيه أو نهاه عن شيء فارتكبه وقال القدر ساقني إلى ذلك لما قبل منه هذه الحجة ولبادر إلى عقوبته
فإن كان القدر حجة لك أيها الظالم الجاهل في ترك حق ربك فهلا كان حجة لعبدك وأمتك في ترك بعض حقك بل إذا أساء إليك مسيء وجنى عليك جان واحتج بالقدر لا شتد غضبك عليه وتضاعف جرمه عندك ورأيت حجته داحضة ثم تحتج على ربك به وتراه عذرا لنفسك فمن أولى بالظلم والجهل ممن هذه حاله
هذا مع تواتر إحسان الله إليك على مدى الأنفاس أزاح عللك ومكنك من التزود إلى جنته وبعث إليك الدليل وأعطاك مؤنة السفر وما تتزود به وما تحارب به قطاع الطريق عليك فأعطاك السمع والبصر والفؤاد وعرفك الخير والشر والنافع والضار وأرسل إليك رسوله وأنزل إليك كتابه ويسره للذكر والفهم والعمل وأعانك بمدد من جنده الكرام يثبتونك ويحرسونك ويحاربون عدوك ويطردونه عنك ويريدون منك أن لا تميل إليه ولا تصالحه وهم يكفونك مؤنته وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم وموالاته دونهم بل تظاهره وتواليه دون وليك الحق الذي هو أولى بك قال الله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا طرد إبليس عن سمائه وأخرجه من جنته وأبعده من قربه إذ لم يسجد لك وأنت في صلب أبيك آدم لكرامتك عليه فعاداه وأبعده ثم واليت عدوه وملت إليه وصالحته وتتظلم مع ذلك وتشتكي الطرد والإبعاد وتقول
عودوني الوصال والوصل عذب ... ورموني بالصد والصد صعب
نعم وكيف لا يطرد من هذه معاملته وكيف لا يبعد عنه من كان هذا وصفه وكيف يجعل من خاصته وأهل قربه من حاله معه هكذا قد أفسد ما بينه وبين الله وكدره
أمره الله بشكره لا لحاجته إليه ولكن لينال به المزيد من فضله فجعل كفر نعمه والإستعانة بها على مساخطه من أكبر أسباب صرفها عنه
وأمره بذكره ليذكره بإحسانه فجعل نسيانه سببا لنسيان الله له نسوا الله فأنساهم أنفسهم نسوا الله فنسيهم أمره بسؤاله ليعطيه فلم يسأله بل أعطاه أجل العطايا بلا سؤال فلم يقبل يشكو من يرحمه إلى من لا يرحمه ويتظلم ممن لا يظلمه ويدع من يعاديه ويظلمه إن أنعم عليه بالصحةوالعافية والمال والجاه إستعان بنعمه على معاصيه وإن سلبه ذلك ظل متسخطا على ربه وهو شاكيه لا يصلح له على عافية ولا على ابتلاء العافية تلقيه إلى مساخطه والبلاء يدفعه إلى كفرانه وجحود نعمته وشكايته إلى خلقه
دعاه إلى بابه فما وقف عليه ولا طرقه ثم فتحه له فما عرج عليه ولا ولجه أرسل إليه رسوله يدعوه إلى دار كرامته فعصى الرسول وقال لا أبيع ناجزا بغائب ونقدا بنسيئة ولا أترك ما أراه لشيء سمعت به ويقول :
خذ ما رأيت ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
فإن وافق حظه طاعة الرسول أطاعه لنيل حظه لا لرضى مرسله لم يزل يتمقت إليه بمعاصيه حتى أعرض عنه وأغلق الباب في وجهه
ومع هذا فلم يؤيسه من رحمته بل قال متى جئتني قبلتك إن أتيتني ليلا قبلتك وإن أتيتني نهارا قبلتك وإن تقربت مني شبرا تقربت منك ذراعا وإن تقربت مني ذراعا تقربت منك باعا وإن مشيت إلى هرولت إليك ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ومن أعظم مني جودا وكرما
عبادي يبارزونني بالعظائم وأنا أكلؤهم على فرشهم إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي
من أقبل إلي تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد
أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب
ومن آثرني على سواي آثرته على سواه الحسنة عندي بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والسيئة عندي بواحدة فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له .[i]