السلام عليكم ورحمة الله
من سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه
هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهذلي، وكناه النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا عبدالرحمـن مات أبوه في الجاهلية، وأسلمت أمه وصحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك كان ينسب الى أمه أحيانا فيقال: (ابن أم عبد)... وأم عبد كنية أمه -رضي الله عنهما-.
أول لقاء مع الرسول
يقول -رضي الله عنه- عن أول لقاء له مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي مُعَيْط، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكـر فقالا: (يا غلام، هل عندك من لبن تسقينـا؟)... فقلت: (إني مؤتمـن ولست ساقيكما)... فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم-: (هل عندك من شاة حائل، لم يَنْزُ عليها الفحل؟)... قلت: (نعم)... فأتيتهما بها، فاعتقلها النبي ومسح الضرع ودعا ربه فحفل الضرع، ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعّرة، فاحتلب فيها فشرب أبوبكر، ثم شربت ثم قال للضرع: (اقْلِص)... فقلص، فأتيت النبي بعد ذلك فقلت: (علمني من هذا القول)... فقال: (إنك غلام مُعَلّم).
إسلامه
لقد كان عبدالله بن مسعود من السابقين في الاسلام، فهو سادس ستة دخلوا في الاسلام، وقد هاجر هجرة الحبشة وهجرة المدينة، وشهد بدرا والمشاهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أجهز على أبي جهل، ونَفَلَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيفَ أبي جهل حين أتاه برأسه.
وكان نحيل الجسم دقيق الساق ولكنه الايمان القوي بالله الذي يدفع صاحبه الى مكارم الأخلاق، وقد شهد له النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- بأن ساقه الدقيقة أثقل في ميزان الله من جبل أحد، وقد بشره الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- بالجنة.
فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد شجرةً وأمَرَه أن يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ساقه حين صعد فضحكوا من حُموشَةِ ساقه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَمّ تضحكون؟ لَرِجْلُ عبد الله أثقلُ في الميزان يوم القيامة من أحُدٍ).
جهره بالقرآن
وعبد الله بن مسعود -رضي اللـه عنه- أول من جهر بالقرآن الكريم عند الكعبة بعد رسول اللـه -صلى الله عليه وسلم-، اجتمع يوماً أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: (والله ما سمعت قريشُ هذا القرآن يُجهرُ لها به قط، فمَنْ رجلٌ يُسمعهم؟)... فقال عبد الله بن مسعود: (أنا)... فقالوا: (إنّا نخشاهم عليك، إنّما نريدُ رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه)... فقال: (دعوني فإنّ الله سيمنعني)... فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها، حتى قام عبد الله عند المقام فقال رافعاً صوته.
بسم الله الرحمن الرحيم: {الرّحْمن، عَلّمَ القُرْآن، خَلَقَ الإنْسَان، عَلّمَهُ البَيَان}... فاستقبلها فقرأ بها، فتأمّلوا فجعلوا يقولون ما يقول ابن أم عبد، ثم قالوا: (إنّه ليتلوا بعض ما جاء به محمد)... فقاموا فجعلوا يضربونه في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: (هذا الذي خشينا عليك)... فقال: (ما كان أعداء الله قط أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غداً؟!)... قالوا: (حسبُكَ قد أسمعتهم ما يكرهون).
حفظ القرآن
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه فقال: (اقرأ علي)... قال: (يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟)... فقال -صلى اللـه عليه وسلم-: (إني أحب أن أسمعه من غيري)... قال ابن مسعود فقرأت عليه من سورة النسـاء حتى وصلت الى.
قوله تعالى: {فكَيْفَ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا}... (النساء -41).
فقال له النبي -صلىالله عليه وسلـم-: (حسبـك)... قال ابن مسعود: (فالتفت اليه فاذا عيناه تذرفان).
كان ابن مسعود من علماء الصحابة -رضي الله عنهم- وحفظة القرآن الكريم البارعين، فيه انتشر علمه وفضله في الآفاق بكثرة أصحابه والآخذين عنه الذين تتلمذوا على يديه وتربوا، وقد كان يقول: (أخذت من فم رسـول اللـه -صلى اللـه عليه- سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد)... وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (استقرئـوا القرآن من أربعة من عبـدالله بن مسعود وسـالم مولى أبى حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل)... كمـا كان يقول: (من أحب أن يسمع القرآن غضاً كما أُنزل فليسمعه من ابن أم عبد)...
قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (استخلفتَ)... فقال: (إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه).
وحين أخذ عثمان بن عفان من عبد الله مصحفه، وحمله على الأخذ بالمصحف الإمام الذي أمر بكتابته، فزع المسلمون لعبد الله وقالوا: (إنّا لم نأتِكَ زائرين، ولكن جئنا حين راعنا هذا الخبر)... فقال: (إنّ القرآن أُنزِلَ على نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وإنّ الكتاب قبلكم كان ينزل -أو نزل- من باب واحد على حرف واحد، معناهما واحد).
قربه من الرسول
وابن مسعود صاحب نعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدخلهما في يديه عندما يخلعهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو كذلك صاحب وسادة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومطهرته... أجاره الله من الشيطان فليس له سبيل عليه... وابن مسعود صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يعلمه غيره، لذا كان اسمه (صاحب السَّواد)... حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لو كنت مؤمرا أحدا دون شورى المسلمين لأمَّرت ابن أُم عبد).
كما أعطي مالم يعط لغيره حين قال له الرسول: (إذْنُكَ علي أن ترفع الحجاب)... فكان له الحق بأن يطرق باب الرسول الكريم في أي وقت من الليل أو النهار... يقول أبو موسى الأشعري: (لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أرى إلا ابن مسعود من أهله).
مكانته عند الصحابة
قال عنه أمير المؤمنين عمر: (لقد مُليء فِقْهاً)... وقال أبو موسى الأشعري: (لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحَبْرُ فيكم)... ويقول عنه حذيفة: (ما أعرف أحدا أقرب سمتا ولا هديا ودلا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم عبد).
واجتمع نفر من الصحابة عند علي بن أبي طالب فقالوا له: (يا أمير المؤمنين، ما رأينا رجلا كان أحسن خُلُقا ولا أرفق تعليما، ولا أحسن مُجالسة ولا أشد وَرَعا من عبد الله بن مسعود)... قال علي: (نشدتكم الله، أهو صدق من قلوبكم؟)... قالوا: (نعم)... قال: (اللهم إني أُشهدك، اللهم إني أقول فيه مثل ما قالوا، أو أفضل، لقد قرأ القرآن فأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في الدين عالم بالسنة).
وعن تميم بن حرام قال: (جالستُ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأيتُ أحداً أزهدَ في الدنيا ولا أرغبَ في الآخرة، ولا أحبّ إليّ أن أكون في صلاحه، من ابن مسعود).
ورعه
كان أشد ما يخشاه ابن مسعود -رضي الله عنه- هو أن يحدث بشيء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيغير شيئا أو حرفا... يقول عمرو بن ميمون: (اختلفت الى عبد الله بن مسعود سنة، ما سمعته يحدث فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنه حدّث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه: قال رسول الله، فعلاه الكـرب حتى رأيت العـرق يتحدر عن جبهتـه، ثم قال مستدركا: قريبا من هذا قال الرسـول).
ويقول علقمـة بن قيـس: (كان عبد الله بن مسعود يقوم عشية كل خميس متحدثا، فما سمعته في عشية منها يقول: قال رسول الله غير مرة واحدة، فنظرت إليه وهو معتمد على عصا، فإذا عصاه ترتجف وتتزعزع).
حكمته
كان يملك عبدالله بن مسعود قدرة كبيرة على التعبير والنظر بعمق للأمور فهو يقول عما نسميه نِسبية الزمان: (إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه)... كما يقول عن العمل: (إني لأمقت الرجل إذ أراه فارغا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة)... ومن كلماته الجامعة: (خير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وشر العمى عمى القلب، وأعظم الخطايا الكذب، وشر المكاسب الربا، وشر المأكل مال اليتيم، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يغفر يغفر الله له).
وقال عبدالله بن مسعود: (لو أنّ أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله لسَادوا أهل زمانهم، ولكنّهم وضعوه عند أهل الدنيا لينالوا من دنياهم، فهانوا عليهم، سمعتُ نبيّكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ جعلَ الهمومَ همّاً واحداً، همّه المعاد، كفاه الله سائرَ همومه، ومَنْ شعّبَتْهُ الهموم أحوال الدنيا لم يُبالِ الله في أي أوديتها هلك).
أمنيته
يقول ابن مسعود: (قمت من جوف الليل وأنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته وأبو بكر وعمر يدلِّيَانه إليه، والرسول يقول: أدنيا إلي أخاكما... فدلياه إليه، فلما هيأه للحده قال: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه... فيا ليتني كنت صاحب هذه الحفرة.
أهل الكوفة
ولاه أمير المؤمنين عمر بيت مال المسلمين بالكوفة، وقال لأهلها حين أرسله إليهم: (إني والله الذي لا إله إلا هو قد آثرتكم به على نفسي، فخذوا منه وتعلموا)... ولقد أحبه أهل الكوفة حبا لم يظفر بمثله أحد قبله... حتى قالوا له حين أراد الخليفة عثمان بن عفان عزله عن الكوفة: (أقم معنا ولا تخرج ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه منه)... ولكنه أجاب: (إن له علي الطاعة، وإنها ستكون أمور وفتن، ولا أحب أن أكون أول من يفتح أبوابها).
المرض
قال أنس بن مالك: دخلنا على عبد اللـه بن مسعود نعوده في مرضه، فقلنا: (كيف أصبَحتَ أبا عبد الرحمن؟)... قال: (أصبحنا بنعمة اللـه إخوانا)... قلنا: (كيف تجدُكَ يا أبا عبد الرحمن؟)... قال: (إجدُ قلبي مطمئناً بالإيمان)... قلنا له: (ما تشتكي أبا عبد الرحمن؟)... قال: (أشتكي ذنوبي و خطايايَ)... قلنا: (ما تشتهي شيئاً؟)... قال: (أشتهي مغفرة اللـه ورضوانه)... قلنا: (ألا ندعو لك طبيباً؟)... قال: (الطبيب أمرضني -وفي رواية أخرى الطبيب أنزل بي ما ترون).
ثم بكى عبد الله، ثم قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنّ العبد إذا مرض يقول الرّب تبارك وتعالى: (عبدي في وثاقي)... فإن كان نزل به المرض في فترةٍ منه قال: (اكتبوا له من الأمر ما كان في فترته)... فأنا أبكي أنّه نزل بي المرض في فترةٍ، ولوددتُ أنّه كان في اجتهادٍ منّي).
الوصية
لمّا حضر عبد الله بن مسعود الموتُ دَعَا ابْنَه فقال: (يا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، إنّي موصيك بخمس خصال، فاحفظهنّ عنّي: أظهر اليأسَ للناس، فإنّ ذلك غنىً فاضل، ودعْ مطلبَ الحاجات إلى الناس، فإنّ ذلك فقرٌ حاضر، ودعْ ما يعتذر منه من الأمور، ولا تعملْ به، وإنِ استطعتَ ألا يأتي عليك يوم إلا وأنتَ خير منك بالإمس فافعل، وإذا صليتَ صلاةً فصلِّ صلاةَ مودِّع كأنّك لا تصلي صلاة بعدها).
الحلم
لقي رجل ابن مسعود فقال: لا تعدم حالِماً مذكّراً: (رأيتُكَ البارحة، ورأيتُ النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- على منبر مرتفع، وأنتَ دونه وهو يقول: (يابن مسعود هلُمّ إليّ، فلقد جُفيتَ بعدي)... فقال عبد الله: (آللّهِ أنتَ رأيتَهُ؟)... قال: (نعم)... قال: (فعزمتُ أن تخرج من المدينة حتى تصلي عليّ)... فما لبث إلا أياماً حتى مات -رضي الله عنه- فشهد الرجل الصلاة عليه.
وفاته
وفي أواخر عمره -رضي الله عنه- قدم الى المدينة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم... توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة في أواخر خلافة عثمان... رضي الله عن ابن أم عبد وأمه صاحبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلهما رفيقيه في الجنة مع الخالدين.
عبد الله حذيفة بن حسيل ( اليمان) من بني عبس،
جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا إلى رسـول الله
واعتنقوا الإسلام وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها. لقد كان في إيمانه -رضي الله عنه- وولائه قوي، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه أبي، أبي، انه أبي!!).
..ولكن أمر الله قد نفذ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم،
لكنه نظر إليهم اشفاقا وقال يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين )..
.ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة.
..وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين، فازداد الرسول له حبا وتقديرًا...
يسأل عن الشر:
عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول
: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
قم يا حذيفة
عن بلال العبسي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن الناس
تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب فلم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا فأتاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا جاثي من البرد وقال يا بن اليمان قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب فأنظر إلى حالهم قلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما قمت إليك إلا حياء منك من البرد قال فابرز الحرة وبرد الصبح انطلق يا بن اليمان ولا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي قال فانطلقت إلى عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله قد تفرق الأحزاب عنه قال حتى إذا جلست فيهم قال فحسب أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم قال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه قال فضربت بيدي على الذي عن يميني وأخذت بيده
ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده فلبثت فيهم هنية ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلي فأومأ إلي بيده أن ادن فدنوت ثم أومأ إلي أيضا أن ادن فدنوت حتى أسبل علي من الثوب
الذي كان عليه وهو يصلي فلما فرغ من صلاته قال بن اليمان أقعد ما الخبر قلت يا رسول الله تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار قد صب الله عليه من البرد مثل الذي
صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجو.
ورواية أخرى: عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم
واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم-
حذيفة بن اليمان، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع،
وقال له يا حذيفة، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثن شيئا حتى تأتين!).
..فذهب ودخل في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال
يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه؟)..
.قال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي فقلت: من أنت؟00قال: فلان بن فلان )..
.فأمن نفسه في المعسكر، ثم قال أبو سفيان:
( يا معشر قريش، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنوقريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)..
.ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة:
( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلي ألا تحدث شيئا حتى تأتيني، لقتلته بسهم ).
..وعاد حذيفة إلى الرسول الكريم حاملا له البشرى...
صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثنا زيد ابن وهب قال: كنا عند حذيفة فقال ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة. فقال أعرابي إنكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تخبروننا فلا ندري فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون أعلاقنا؟ قال أولئك الفساق أجل لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده.
... قال العيني وحاصل معنى هذا الحديث أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن المنافقين وكان يعرفهم ولا يعرفهم غيره وكان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه بأسماء عدة من المنافقين وأهل الكفر والذين نزلت فيهم الآية ولم يسر إليه بأسماء جميعهم.
عن مسلم بن نذير عن حذيفة قال قلت يا رسول الله إني رجل ذرب اللسان وإن عامة ذلك على أهلي قال: فأين أنت من الاستغفار إني لأستغفر الله في اليوم - أو قال في اليوم والليلة - مائة مرة.
عن حذيفة قال: (أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه، فقلت يا رسول الله، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي؟!)...فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال يا حذيفة أدْنُ منّي )...فدنوتُ من تلقاء وجههِ، قال يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة، ومن أطعم جائعاً أراد به الله، أدخله الله الجنة، ومن كسا عارياً أراد به الله، أدخله الله الجنة )...قلتُ يا رسول الله، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )...قال بلْ أعلنْهُ )...فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)...
وفي مسند الشاميين عن ربعي بن حراش قال جلست إلى حذيفة بن اليمان
وإلى أبي مسعود الأنصاري قال أحدهما للآخر حدث ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا بل حدث أنت فحدث أحدهما صاحبه وصدقه الآخر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى برجل يوم القيامة
فيقول الله انظروا في عمله فيقول رب ما كنت أعمل خيرا غير أنه
كان لي مال وكنت أخالط الناس فمن كان موسرا يسرت عليه
ومن كان معسرا أنظرته إلى ميسرة قال الله عز وجل أنا أحق من يسر فغفر له فقال
صدقت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ثم
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى يوم القيامة برجل قد قال لأهله إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم استقبلوا بي ريحا عاصفا فاذروني فيجمعه الله تبارك وتعالى يوم القيامة فيقول له لم فعلت قال من خشيتك قال فيغفر له قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله
عن ربعي قال قال عقبة بن عمرو لحذيفة ألا تحدثنا
ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال سمعته
يقول إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا الذي يرى الناس
إنها نار فماء بارد وأما الذي يرى الناس إنه ماء فنار
تحرق فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى
إنها نار فإنها ماء عذب بارد قال حذيفة وسمعته
يقول إن رجلا ممن كان قبلكم أتاه ملك ليقبض نفسه
فقال له هل عملت من خير فقال ما أعلم قيل له انظر قال ما أعلم شيئا
غير إني كنت أبايع الناس وأجازفهم فانظر المعسر وأتجاوز عن المعسر
فأدخله الله عز وجل الجنة قال وسمعته يقول إن رجلا حضره الموت فلما أيس من الحياة أوصى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا جزلا ثم أوقدوا فيه نارا حتى إذا أكلت لحمى وخلص إلى عظمى فامتحشت فخذوها فاذروها في اليم ففعلوا فجمعه الله عز وجل إليه وقال له لم فعلت ذلك قال من خشيتك قال فغفر الله له قال عقبة بن عمرو أنا سمعته يقول ذلك وكان نباش.
فضله رضي الله عنه
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء، وأعطيتُ أنا أربعة عشر: سبعة من قريش: عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر، وأبو بكر وعمر، وسبعة من المهاجرين: عبد الله ابن مسعود، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )... رضوان الله عليهم...
قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- استخلفتَ )...فقال إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )...
قال عمر بن الخطاب لأصحابه تمنّوا )..
.فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله،
فقال عمر لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ ).
..ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال انظر ما يصنع )...فقسَمَهُ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال انظر ما يصنع ).
..فقَسَمه، فقال عمر قد قُلتُ لكم )...
مقتل عثمان:
كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول: ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )...
وفاته:
لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثير، فقيل ما يبكيك؟)...فقال ما أبكي أسفاً على الدنيا، بل الموت أحب إليّ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )...
ودخل عليه بعض أصحابه، فسألهم أجئتم معكم بأكفان؟).
..قالو نعم )...قال أرونيها )...
فوجدها جديدة فارهة، فابتسم وقال لهم ما هذا لي بكفن، إنما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص، فاني لن أترك في القبر إلا قليل، حتى أبدل خيرا منها، أو شرا منها )..
.ثم تمتم بكلمات مرحبا بالموت، حبيب جاء على شوق، لا أفلح من ندم )...
وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن
رجال حول الرّسول...عمار بن ياسر
لصحابي الجليل عمَّار بن ياسر رضي الله عنه، كان هو وأبوه ياسر وأمّه سمية بنت خياط من أوائل الذين دخلوا في الإسلام، وكان أبوه قد قدِم من اليمن واستقرّ بمكة، ولمّا عَلِم المشركون بإسلام هذه الأسرة أخذوهم وعذّبوهم عذاباً شديداً، فمرَّ عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال لهم: ''صبراً آل ياسر، فإنّ موعدكم الجنّة'' رواه الطبراني والحاكم.
وطعن أبو جهل السيّدة سُمية فماتت، لتكون أوّل شهيدة في الإسلام، ثمّ يلحق بها زوجها ياسر، وبقي عمار يُعاني العذاب الشّديد، فكانوا يضعون رأسه في الماء، ويضربونه بالسياط، ويحرقونه بالنّار، فمرَّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ووضع يده الشّريفة على رأسه وقال: ''يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت برداً وسلاماً على إبراهيم'' رواه ابن سعد.
هاجر عمار إلى الحبشة، ثمّ هاجر إلى المدينة، وشارك مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في جميع الغزوات.
وبعد وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، اشترك عمار مع الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه في محاربة المرتدين، وأظهر شجاعة فائقة في معركة اليمامة. وبعد أن تولّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة، ولَّى عماراً على الكوفة ومعه عبد الله بن مسعود معلّماً ووزيراً.
وفي يوم صفين كان عمار في جيش عليّ، ثمّ تقدم للقتال فاستشهد سنة 37هـ، وكان عمره آنذاك 93 سنة، ودفنه الإمام عليُّ، وصلَّى عليه
الصحابي الجليل عبادة بن الصامت:
عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرجي الأنصاري. كنيتة أبو الوليد. روي حوالي مائة وواحد وثمانون حديث.
شهد بيعة العقبة الأولى والثانية، وكان نقيباً علي قوافل بني عوف بن الخزرج، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الصدقات.
قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسةٌ من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء.
وكان عبادة يعلم أهل الصفة القرآن، ولما فتح المسلمون الشام أرسله عمر بن الخطاب. وأرسل معه معاذ بن جبل وأبا الدرداء، وأقام عبادة ب حمص، وأقام أبو الدرداء بدمشق، ومضى معاذ إلى فلسطين، قال الأوزاعي: أول من ولي قضاء فلسطين عبادة بن الصامت. وقد خالف معاوية في عهد الخليفة عثمان بن عفان عندما ذهب إلى الشام.
عن عبادة بن الصامت، وكان أحد نقباء الأنصار: بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يخاف في الله لومة لائم، فقام في الشام خطيباً فقال: يأيها الناس، إنكم قد أحدثتم بيوعاً، لا أدري ما هي? ألا إن الفضة بالفضة وزناً بوزن، تبرها وعينها، والذهب بالذهب وزناً بوزن، تبره وعينه، ألا ولا بأس ببيع الذهب بالفضة يداً بيد، والفضة أكثرها، ولا يصلح نسيئة، ألا وإن الحنطة بالحنطة مدياً بمدي، والشعير بالشعير مدياً بمدي، ألا ولا بأس ببيع الحنطة بالشعير، والشعير أكثرهما، يداً بيد، ولا يصلح نسيئة، والتمر بالتمر مدياً بمدي، والملح بالملح مديٌ بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى.
حين أراد عمر بن الخطاب أن يصف عبادة بن الصامت قال: “رجل يعد في الرجال بألف رجل، قال عنه ابن الخطاب هذه العبارة حين أرسله مدداً لعمرو بن العاص في فتح مصر، إذ كان طويلا فارع الطول، أسمر البشرة، ويعد ابن الصامت من السابقين إلى الإسلام، إذ كان من رجال البيعة الأولى ومن بني عوف بن الخزرج الأنصاري، أي من الأنصار الذين نصروا وآووا وبذلوا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله. والده الصامت بن قيس الخزرجى، وأمه قرة العين بنت عباده، وأخوه أوس بن الصامت وزوجته خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها “قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى لله، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير”. (سورة المجادلة).
روى أَنَّ عُبَادَةَ أَنْكَرَ عَلَى مُعَأوِيَةَ شَيْئاً، فَقَالَ: لاَ أُسَاكِنُكَ بِأَرْضٍ. فَرَحَلَ إِلَى المَدِيْنَةِ. قَالَ لهُ عُمَرُ: مَا أَقْدَمَكَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِفِعْلِ مُعَأوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ: ارْحَلْ إِلَى مَكَانِكَ، فَقَبَّحَ اللهُ أَرْضاً لَسْتَ فِيْهَا وَأَمْثَالُكَ، فَلاَ إِمْرَةَ لَهُ عَلَيْكَ.
عَنِ ابْنِ عَمِّهِ؛ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ، قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ مَعَ مُعَأوِيَةَ، فَأَذَّنَ يَوْماً، فَقَامَ خَطِيْبٌ يَمْدَحُ مُعَأوِيَةَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، فَقَامَ عُبَادَةُ بِتُرَابٍ فِي يَدِهِ، فَحَشَاهُ فِي فَمِ الخَطِيْبِ، فَغَضِبَ مُعَأوِيَةُ. فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ: إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ مَعَنَا حِيْنَ بَايَعْنَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالعَقَبَةِ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا، وَمَكْرَهِنَا، وَمَكْسَلِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَلاَّ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُوْمَ بِالحَقِّ حَيْثُ كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إِذَا رَأَيْتُمُ المَدَّاحِيْنَ، فَاحْثُوا فِي أَفْوَاهِهِمُ التُّرَابَ).
كَتَبَ مُعَأوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ قَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ الشَّامَ وَأَهْلَهُ، فَإِمَّا أَنْ تَكُفَّهُ إِلَيْكَ، وَإِمَّا أَنْ أُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَنْ رَحِّلْ عُبَادَةَ حَتَّى تَرْجِعَهُ إِلَى دَارِهِ بِالمَدِيْنَةِ. قَالَ: فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمْ يَفْجَأْهُ إِلاَّ بِهِ، وَهُوَ مَعَهُ فِي الدَّارِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عُبَادَةُ، مَا لَنَا وَلَكَ؟ فَقَامَ عُبَادَةُ بَيْنَ ظَهْرَانِي النَّاسِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (سَيَلِي أُمُوْرَكُمْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُوْنَكُمْ مَا تُنْكِرُوْنَ، وَيُنْكِرُوْنَ عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُوْنَ، فَلاَ طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى، وَلاَ تَضِلُّوا بِرَبِّكُمْ).
وروى أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ مَرَّتْ عَلَيْهِ قِطَارَةٌ – وَهُوَ بِالشَّامِ – تَحْمِلُ الخَمْرَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ أَزَيْتٌ؟ قِيْلَ: لاَ، بَلْ خَمْرٌ يُبَاعُ لِفُلاَنٍ. فَأَخَذَ شَفْرَةً مِنَ السُّوْقِ، فَقَامَ إِلَيْهَا، فَلَمْ يَذَرْ فِيْهَا رَأوِيَةً إِلاَّ بَقَرَهَا – وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِذْ ذَاكَ بِالشَّامِ – فَأَرْسَلَ فُلاَنٌ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَلاَ تُمْسِكُ عَنَّا أَخَاكَ عُبَادَةَ، أَمَّا بِالغَدَوَاتِ، فَيَغْدُو إِلَى السُّوْقِ يُفْسِدُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مَتَاجِرَهُمْ، وَأَمَّا بِالعَشِيِّ، فَيَقْعُدُ فِي المَسْجِدِ لَيْسَ لَهُ عَمَلٌ إِلاَّ شَتْمُ أَعْرَاضِنَا وَعَيْبُنَا! قَالَ: فَأَتَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: يَا عُبَادَةُ، مَا لَكَ وَلِمُعَأوِيَةَ؟ ذَرْهُ وَمَا حُمِّلَ. فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ مَعَنَا إِذْ بَايَعْنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَأَلاَّ يَأْخُذَنَا فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ. فَسَكَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ.
روى أَنَّ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ مَرَّ بِقَرْيَةِ دُمَّرٍ، فَأَمَرَ غُلاَمَهُ أَنْ يَقْطَعَ لَهُ سِوَاكاً مِنْ صَفْصَافٍ عَلَى نَهْرِ بَرَدَى، فَمَضَى لِيَفْعَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ارْجِعْ، فَإِنَّهُ إِنْ لاَ يَكُنْ بِثَمَنٍ، فَإِنَّهُ يَيْبَسُ، فَيَعُوْدُ حَطَباً بِثَمَنٍ.
توفى سنة أربع وثلاثين للهجرة وهو ابن اثنان وسبعين عاما ودفن بالقدس الشريف في بقيع الرحمة الملاصق للباب الذهبي وكان طويلاً جسيماً جميلاً.