السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدد الأنبياء والطريق إلى معرفتهم
المطلب الأول
الأنبياء والرسل جمّ غفير
اقتضت حكمة الله – تعالى – في الأمم قبل هذه الأمّة أن يرسل في كلّ منها نذيراً ، ولم يرسل رسولاً للبشرية كلّها إلاّ محمداً صلى الله عليه وسلم ، واقتضى عدله ألاّ يعذب أحداً من الخلق إلاّ بعد أن تقوم عليه الحجة : ( وما كنَّا معذبين حتَّى نبعث رسولاً ) [الإسراء : 15] . من هنا كثر الأنبياء والرسل في تاريخ البشرية كثرة هائلة ، قال تعالى : ( وإن من أمَّةٍ إلاَّ خلا فيها نذيرٌ ) [ فاطر : 24 ] .
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدّة الأنبياء والمرسلين ، فعن أبي ذرّ قال: قلت : يا رسول الله ، كم المرسلون ؟ قال : " ثلاثمائة وبضعة عشر جمّاً غفيراً " وقال مرة : " خمسة عشر " ، وفي رواية أبي أمامة ، قال أبو ذر : قلت : يا رسول الله ، كم وفاء عدة الأنبياء ؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، الرُّسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جمّاً غفيراً " (1) .
من الأنبياء والرسل من لم يقصصهم الله علينا :
وهذا العدد الكبير للأنبياء والرسل يدلنا على أنَّ الذين نعرف أسماءهم من الرسل والأنبياء قليل ، وأنَّ هناك أعداداً كثيرة لا نعرفها ، وقد صرّح القرآن بذلك في أكثر من موضع ، قال تعالى : ( ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك ) [ النساء : 164 ] ، وقال : ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم مَّن قصصنا عليك ومنهم من لَّم نقصص عليك ) [ غافر : 78 ] .
فالذين أخبرنا الله بأسمائهم في كتابه أو أخبرنا بهم رسوله – صلى الله عليه وسلم – لا يجوز أنّ نكذّبَ بهم ، ومع ذلك فنؤمن أنَّ لله رسلاً وأنبياء لا نعلمهم .
المطلب الثاني
الأنبياء والرسل المذكورون في القرآن
ذكر الله في كتابه خمسة وعشرين نبياً ورسولاً ، فذكر في مواضع متفرقة آدم وهوداً وصالحاً وشعيباً وإسماعيل وإدريس وذا الكفل ومحمداً عليهم السلام .
قال تعالى : ( إنَّ الله اصطفى آدم ... ) [ آل عمران : 33 ] ، وقال : ( وإلى عادٍ أخاهم هوداً ) [ هود : 50 ] ، ( وإلى ثمود أخاهم صالحاً ) [ هود : 61 ] ، ( وإلى مدين أخاهم شعيباً ) [ هود : 84 ] ، ( وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصَّابرين ) [ الأنبياء : 85 ] ( مُّحمَّدٌ رَّسول الله ... ) [ الفتح : 29 ] .
وذكر ثمانية عشر منهم في موضع واحد في سورة الأنعام ( وتلك حجَّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ مَّن نشاء إنَّ ربَّك حكيم عليمٌ – ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذُريَّته داود وسليمان وأيُّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين – وزكريَّا ويحى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصَّالحين – وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاًّ فضَّلنا على العالمين ) [ الأنعام : 83-86 ] .
أربعة من العرب :
من هؤلاء الخمسة والعشرين أربعة من العرب ، فقد جاء في حديث أبي ذر في ذكر الأنبياء والمرسلين : " منهم أربعة من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك يا أبا ذر" (2) .
ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل : العرب العاربة ، وأمّا العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل (3) ، وهود وصالح كانا من العرب العاربة .
الأسباط :
الأنبياء الذين سبق ذكرهم مذكورون في القرآن بأسمائهم ، وهنا بعض الأنبياء أشار القرآن إلى نبوتهم ، ولكننا لا نعرف أسماءهم ، وهم الأسباط ، والأسباط هم أولاد يعقوب ، وقد كانوا اثني عشر رجلاً عرّفنا القرآن باسم واحد منهم وهو يوسف ، والباقي وعددهم أحد عشر رجلاً لم يعرفنا الله بأسمائهم ، ولكنه أخبرنا بأنّه أوحى إليهم ، قال تعالى : ( قولوا آمنَّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ) [ البقرة : 136 ] .
وقال : ( أم تقولون إنَّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى .. ) [ البقرة : 140 ] .
المطلب الثالث
أنبياء عرفناهم من السنّة
هناك أنبياء عرفناهم من السنة ، ولم ينصّ القرآن على أسمائهم ، وهم :
1- شيث :
يقول ابن كثير : " وكان نبيّاً بنصّ الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر مرفوعاً أنّه أنزل عليه خمسون صحيفة " (4) .
2- يوشع بن نون :
روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غزا نبيٌّ من الأنبياء ، فقال لقومه : لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة ، وهو يريد أن يبني بها ، ولمّا يبنِ ، ولا آخر قد بنى بنياناً ولما يرفع سقفها ، ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات وهو منتظر ولادها ، قال : فغزا ، فأدنى للقرية حين صلاةِ العصر ، أو قريباً من ذلك ، فقال للشمس: أنت مأمورة ، وأنا مأمور ، اللهمَّ احبسها عليَّ شيئاً ، فحسبت عليه حتى فتح الله عليه " (5) .
والدليل على أنَّ هذا النبيّ هو يوشع قوله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الشمس لم تحبس إلاّ ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس " (6) .
المطلب الرابع
صالحون مشكوكٌ في نبوتهم
1- ذو القرنين :
ذكر الله خبر ذي القرنين في آخر سورة الكهف ، ومما أخبر الله به عنه أنه خاطبه ( قلنا يا ذا القرنين إمَّا أن تعذب وإمَّا أن تتَّخذ فيهم حسناً ) [ الكهف : 86 ] .
فهل كان هذا الخطاب بواسطة نبيّ كان معه ، أو كان هو نبيّاً ؟ جزم الفخر الرازي بنبوته (7) ، وقال ابن حجر : " وهذا مرويٌّ عن عبد الله بن عمرو ، وعليه ظاهر القرآن " (
ومن الذين نفوا نبوته عليُّ بن أبي طالب (9) .
2- تبع :
ورد ذكر تبع في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( أهم خير أم قوم تُبَّعٍ والَّذين من قبلهم أهلكناهم إنَّهم كانوا مجرمين ) [ الدخان : 37 ] ، وقال : ( كذَّبت قبلهم قوم نوحٍ وأصحاب الرَّس وثمود – وعادٌ وفرعون وإخوان لوطٍ – وأصحاب الأيكة وقوم تُبَّعٍ كلٌّ كذَّب الرُّسل فحقَّ وعيد ) [ ق : 12-14 ] ، فهل كان نبيّاً مرسلاً إلى قومه فكذبوه فأهلكهم الله ؟ الله أعلم بذلك .
الأفضل التوقف في أمر ذي القرنين وتُبّع :
والأفضل أن يتوقف في إثبات النبوة لهذين ، لأنه صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أدري أتُبّع نبيّاً أم لا ، وما أدري ذا القرين نبياً أم لا " (10) . فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري ، فنحن أحرى بأن لا ندري .
3- الخضر :
الخضر هو العبد الصالح الذي رحل إليه موسى ليطلب منه علماً ، وقد حدثنا الله عن خبرهما في سورة الكهف .
وسياق القصة يدلّ على نبوته من وجوه (11) :
أحدها : قوله تعالى : ( فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلَّمناه من لَّدُنَّا علماً ) [ الكهف : 65 ] ، والأظهر أنّ هذه الرحمة هي رحمة النبوة ، وهذا العلم هو ما يوحى إليه به من قبل الله .
الثاني : قول موسى له : ( هل أتَّبعك على أن تعلمن ممَّا عُلمت رُشداً – قال إنَّك لن تستطيع معي صبراً – وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً – قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصى لك أمراً – قال فإن اتَّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتَّى أُحدث لك منه ذكراً ) [ الكهف : 66-70 ] فلو كان غير نبيّ لم يكون معصوماً ، ولم يكن لموسى – وهو نبيٌّ عظيم ، ورسول كريم ، واجب العصمة – كبيرُ رغبةٍ ، ولا عظيم طلبة في علم وَليَّ غير واجب العصمة ، ولما عزم على الذهاب إليه ، والتفتيش عنه ، ولو أنَّه يمضي حقباً من الزمان ، قيل : ثمانين سنة ، ثمَّ لما اجتمع به ، تواضع له ، وعظّمه ، واتبعه في صورة مستفيد منه ، دلّ على أنه نبيٌّ مثله ، يوحى إليه كما يوحى إليه ، وقد خصّ من العلوم اللدنيَّة والأسرار النبويَّة بما لم يطلع الله عليه موسى الكليم ، نبيّ بني إسرائيل الكريم .
الثالث : أنّ الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام ، وما ذاك إلا للوحي إليه من الملك العلام ، وهذا دليل مستقلٌّ على نبوتَّه ، وبرهان ظاهر على عصمته (12) ، لأنَّ الولي لا يجوز له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى في خلده ، لأنَّ خاطره ليس بواجب العصمة ، إذ يجوز الخطأ عليه بالاتفاق ، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذي لم يبلغ الحلم علماً منه بأنّه إذا بلغ يكفر ، ويحمل أبويه على الكفر لشّدة محبتهما له ، فيتابعانه عليه ، ففي قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع في الكفر وعقوبته دلّ ذلك على نبوته وأنّه مؤيد من الله بعصمته .
الرابع :أنّه لمـَّا فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى ، ووضح له عن حقيقة أمره وجلاَّه ، قال بعد ذلك كلّه : ( رحمةً من رَّبك وما فعلته عن أمري ) [ الكهف : 82 ] ، يعني ما فعلته من تلقاء نفسي ، بل أمرت به ، وأوحي إليّ فيه (13) .
المطلب الخامس
لا نثبت النبوة لأحد إلاّ بدليل
يذكر علماء التفسير والسير أسماء كثير من الأنبياء نقلاً عن بني إسرائيل ، أو اعتماداً على أقوال لم تثبت صحتها ، فإن خالفت هذه النقول شيئاً مما ثبت عندنا من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم رفضناها ، كقول الذين قالوا : " إنَّ الرسل ثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى ، وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين بعد عيسى " (14) .
نردّ هذّا كله ، لأنَّه ثبت في الحديث الصحيح أنّه ليس بين عيسى ابن مريم وبين رسولنا صلوات الله وسلامه عليهما نبيٌّ (15) . ، فالرسل المذكورون في آية سورة يس إما رسل بعثوا قبل عيسى ، وهذا هو الراجح ، أو هم – كما يقول بعض المفسرين – مبعوثون من قبل عيسى وهذا بعيد ، لأ، الله أخبر أنّه مرسلهم ، والرسول عند الإطلاق ينصرف إلى الاصطلاح المعروف ، وما ورد من أنَّ خالد بن سنان نبي عربي ضيعه قومه فهو حديث لا يصحُّ ، وهو مخالف لحديث صحيح أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه أنَّ عدد الأنبياء الذين من العرب أربعة (16) .
أما ما ورد عن بني إسرائيل من أخبار بتسمية بعض الأنبياء مما لا دليل عليه من الكتاب والسنة ، فلا نكذَّبه ، ولا نصدّق به ، لأنَّ خبرهم يحتمل الصدق والكذب .
والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين