أعلم رحمك الله : أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن، الأولى : أن الله خلقنا(1) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------------------------------
(1) ودليل ذلك أعني أن الله خلقنا سمعي وعقلي :
أما السمعي فكثير ومنه قوله عز وجل: )هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (الأنعام:2) وقوله: )وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ )(الأعراف:الآية11) الآية ، وقوله تعالى
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) (الحجر:26) وقوله : )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم:20) وقوله: )خَلَقَ الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) (الرحمن:14)
)اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )(الزمر:الآية62) وقوله: )وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)
وقوله: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)
إلى غير ذلك من الآيات. أما الدليل العقلي على أن الله خلقنا فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: )أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور:35) فإن الإنسان لم يخلق نفسه لأنه قبل وجوده عدم والعدم ليس بشيء وما ليس بشيء لا يوجد شيئاً ، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد؛ لأن كل حادث لا بد له من محدث ؛ ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام البديع والتناسق المتآلف يمنع منعاً باتاً أن يكون صدفة. إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظماً حال بقائه وتطوره ، فتعين بهذا أن يكون الخالق هو الله وحده فلا خالق ولا آمر إلا الله، قال الله تعالى: ) أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ )(الأعراف:الآية54)
ورزقنا (1) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------------------------------
ولم يعلم أن أحداً من الخلق أنكر ربوبية الله سبحانه وتعالى إلا على وجه المكابرة كما حصل من فرعون ، وعندما سمع جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة الطور فبلغ قوله تعالى: )أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (الطور:35- 37) وكان جبير بن مطعم يومئذ مشركاً فقال: "كاد قلبي أن يطير وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي"(6).
(1) أدلة هذه المسألة كثيرة من الكتاب والسنة والعقل أما الكتاب : فقال الله تعالى: )إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:58)
وقال تعالى: )قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ )(سـبأ:الآية24) وقوله: )قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس:31)
والآيات في هذا كثيرة.
وأما السنة : فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في الجنين يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله ، وعمله وشقي أم سعيد. (7)وأما الدليل العقلي على أن الله رزقنا فلأننا لا نعيش إلا على طعام وشراب، والطعام والشراب خلقه الله عز وجل كما قال الله تعالى: )أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة:63-70)
ولم يتركنا هملاً (1) بل أرسل إلينا رسولاً (2) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------------------------------
ففي هذه الآيات بيان أن رزقنا طعاماً وشراباً من عند الله عز وجل.
(1) هذا هو الواقع الذي تدل عليه الأدلة السمعية والعقلية:
أما السمعية فمنها قوله تعالى: )أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ )(المؤمنون: 115-116) وقوله
أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى* أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:36-40)
وأما العقل : فلأن وجود هذه البشرية لتحيا ثم تتمتع كما تتمتع الأنعام ثم تموت إلى غير بعث ولا حساب أمر لا يليق بحكمة الله عز وجل بل هو عبث محض ، ولا يمكن أن يخلق الله هذه الخليقة ويرسل إليها الرسل ويبيح لنا دماء المعارضين المخالفين للرسل عليهم الصلاة والسلام ثم تكون النتيجة لا شيء ، هذا مستحيل على حكمة الله عز وجل.
(2) أي أن الله عز وجل أرسل إلينا معشر هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً يتلو علينا آيات ربنا ، ويزكينا ، ويعلمنا الكتاب والحكمة ، كما أرسل إلى من قبلنا، قال الله تبارك وتعالى: ) وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ)(فاطر:الآية24) ولا بد أن يرسل الله الرسل إلى الخلق لتقوم عليهم الحجة وليعبدوا الله بما يحبه ويرضاه قال الله تبارك وتعالى: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً *وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:163-165)
فمن أطاعه دخل الجنة(1) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------------------------------
ولا يمكن أن نعبد الله بما يرضاه إلا عن طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم هم الذين بينوا لنا ما يحبه الله ويرضاه ، وما يقربنا إليه عز وجل فبذلك كان من حكمة الله أن أرسل إلى الخلق رسلاً مبشرين ومنذرين الدليل قوله تعالى: )إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً*فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (المزمل:15-16)
(1) هذا حق مستفاد من قوله تعالى: )وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ*وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:132-133) ومن قوله تعالى: ) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(النساء:الآية13) ومن قوله تعالى)وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52)
وقوله : )وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69)
وقوله: ) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)(الأحزاب:الآية71) والآيات في ذلك كثيرة
ومن عصاه دخل النار (1) والدليل قوله تعالى: )إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً) (المزمل:15-16) الثانية: (2) أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل. والدليل قوله تعالى: )وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18) .
= ومن قوله صلى الله عليه وسلم "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" فقيل : ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار"(
رواه البخاري.
(1) هذا أيضاً حق مستفاد من قوله تعالى : )وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء:14) وقوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(الأحزاب: الآية36) وقوله: ( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الجـن: الآية23) ومن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: "ومن عصاني دخل النار".
(2) أي المسألة الثانية مما يجب علينا علمه أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد، بل هو وحده المستحق للعبادة ودليل ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجـن:18) فنهى الله تعالى أن يدعو الإنسان مع الله أحداً،
الثالثة(1) أن من أطاع الرسول ووحّد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ، والدليل على قوله تعالى:
-------------------------------------------------
والله لا ينهى عن شيء إلا وهو لا يرضاه سبحانه وتعالى وقال الله عز وجل : )إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )(الزمر: الآية7)، وقال تعالى: ) فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)(التوبة:الآية96) فالكفر والشرك والقضاء عليهما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى بل إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لمحاربة قال الله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )(الأنفال:الآية39) وإذا كان الله لا يرضى بالكفر والشرك فإن الواجب على المؤمن أن لا يرضى بهما ، لأن المؤمن رضاه وغضبه تبع رضا الله وغضبه ، فيغض لما يغضب الله ويرضى بما يرضاه الله عز وجل ، وكذلك إذا كان الله لا يرضى الكفر ولا الشرك فإنه لا يليق بمؤمن أن يرضى بهما. والشرك أمره خطير قال الله عز وجل: )إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء:الآية48) وقال تعالى: ) إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة:الآية72) وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار" (9)
(1) أي المسألة الثالثة مما يجب علينا علمه الولاء والبراء ، والولاء والبراء
)لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22)
أصل عظيم جاءت فيه النصوص الكثيرة قال الله عز وجل: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً )(آل عمران:الآية118) وقال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51) وقال سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة:57)
وقال تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ*)قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:23-24) وقال عز وجل: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) وقوله تعالى: )قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4)
( كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده) {سورة الممتحنة، الآية: 4} . ولأن موالاة من حاد الله ومداراته تدل على أن ما في قلب الإنسان من الإيمان بالله ورسوله ضعيف ؛ لأنه ليس من العقل أن يحب الإنسان شيئاً هو عدو لمحبوبه ، وموالاة الكفار تكون بمناصرتهم ومعاونتهم على ما هم عليه من الكفر والضلال ، وموادتهم تكون بفعل الأسباب التي تكون بها مودتهم فتجده يوادهم أي يطلب ودهم بكل طريق، وهذا لا شك ينافي الإيمان كله أو كماله ، فالواجب على المؤمن معاداة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب إليه، وبغضه والبعد عنه ولكن هذا لا يمنع نصيحته ودعوته للحق.
أعلم (1) أرشدك الله (2) لطاعته (3) : أن الحنيفية (4) ملة (5) إبراهيم (6) : أن تعبد الله وحده (7) مخلصاً له الدين (
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------------------------------
(1) تقدم الكلام على العلم فلا حاجة إلى إعادته هنا.
(2) الرشد : الاستقامة على طريق الحق.
(3) الطاعة: موافقة المراد فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور .
(4) الحنيفية: هي الملة المائلة عن الشرك ، المبينة على الإخلاص لله عز وجل .
(5) أي طريقه الديني الذي يسير عليه ؛ عليه الصلاة والسلام.
(6) إبراهيم هو خليل الرحمن قال عز وجل: ) وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)(النساء:الآية125) هو أبو الأنبياء وقد تكرر ذكر منهجه في مواضع كثيرة للاقتداء به.
(7) قوله "أن تعبد الله" هذه خبر "أن" في قول "أن الحنيفية" والعبادة بمفهومها العام هي "التذلل لله محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه". أما المفهوم الخاص للعبادة-يعني تفصيلها- فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "العبادة أسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة كالخوف ، والخشية ، والتوكل والصلاة والزكاة ، والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام.
(
الإخلاص هو التنقية والمراد به أن يقصد المرء بعبادته وجه الله عز وجل والوصول إلى دار كرامته بحيث لا يعبد معه غيره لا ملكاً مقرباً ولا نبياً
وبذلك (1) أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال الله تعالى: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)
ومعنى يعبدون يوحدون(2) . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------------------------------مرسلاً قال الله تعالى : )ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123) . وقال الله تعالى: )وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ*إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (البقرة:130-132)
(1) أي بالحنيفية وهي عبادة الله مخلصاً له الدين أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ، كما قال الله تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25)
وبين الله عز وجل في كتابه أن الخلق إنما خلقوا لهذا فقال تعالى: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) .
(2) يعني التوحيد من معنى العبادة و إلا فقد سبق لك معنى العبادة وعلى أي شيء تطلق وأنها أعم من مجرد التوحيد.
وأعلم أن العبادة نوعان:
عبادة كونية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الكوني وهذه شاملة لجميع الخلق لا يخرج عنها أحد لقوله تعالى: )إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93) فهي شاملة للمؤمن والكافر،
وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو : إفراد الله بالعبادة (1) . . . . . . . . . . . . . . . . .
--------------------------------------------------
و البر والفاجر .
والثاني : عبادة شرعية وهي الخضوع لأمر الله تعالى الشرعي وهذه خاصة بمن أطاع الله تعالى واتبع ما جاءت به الرسل مثل قوله تعالى: )وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63) . فالنوع الأول لا يحمد عليه الإنسان لأنه بغير فعله لكن قد يحمد على ما يحصل منه من شكر عند الرخاء وصبر على البلاء بخلاف النوع الثاني فإنه يحمد عليه.
(1) التوحيد لغة مصدر وحد يوحد ، أي جعل الشيء واحداً وهذا لا يتحقق إلا بنفي وإثبات ، نفي الحكم عما سوى الموحد وإثباته له فمثلاً نقول: إنه لا يتم للإنسان التوحيد حتى يشهد أن لا إله إلا الله فينفي الألوهية عما سوى الله تعالى ويثبتها لله وحده.
وفي الاصطلاح عرفه المؤلف بقوله: "التوحيد هو إفراد الله بالعبادة" أي أن تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، لا تشرك به نبياً مرسلاً ، ولا ملكاً مقرباً ولا رئيساً ولا ملكاً ولا أحداً من الخلق ، بل تفرده وحده بالعبادة محبة وتعظيماً ، ورغبة ورهبة، ومراد الشيخ رحمه الله التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه لأنه هو الذي حصل به الإخلال من أقوامهم.
وهناك تعريف أعم للتوحيد وهو: "إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به" .
وأنواع التوحيد ثلاثة:
الأول: توحيد الربوبية وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك والتدبير" قال الله عز وجل: )اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ )(الزمر:الآية62) وقال تعالى : ) هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (فاطر:الآية3) وقال تعالى: )تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) . وقال تعالى : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الأعراف:الآية54).
الثاني: توحيد الألوهية وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه".
الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو "إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه ، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بإثبات ما أثبته ، ونفي ما نفاه من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف، ولا تمثيل".
ومراد المؤلف هنا توحيد الألوهية وهو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم وأرضهم وديارهم وسبى نساءهم وذريتهم، ، وأكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد. قال تعالى: )وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ)(النحل:الآية36). فالعبادة لا تصح إلا لله عز وجل، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر وإن أقر بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، فلو فرض أن رجلاً يقرّ إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ولكنه يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه فإنه
وأعظم ما نهى عنه الشرك . وهو : دعوة غيره معه والدليل قوله تعالى: )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء:الآية36).
--------------------------------------------------
مشرك كافر خالد في النار قال الله تعالى: ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة:الآية72) وإنما كان التوحيد أعظم ما أمر الله لأنه الأصل الذي ينبني عليه الدين كله، ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، وأمر من أرسله للدعوة أن يبدأ به.
(1) أعظم ما نهى الله عنه الشرك وذلك لأن أعظم الحقوق هو حق الله عز وجل فإذا فرط فيه الإنسان فقد فرط في أعظم الحقوق وهو توحيد الله عز وجل قال الله تعالى: ) إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان:الآية13)وقال تعالى
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)(النساء:الآية48) وقال عز وجل : ) وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً)(النساء:الآية116) وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنصار)(المائدة:الآية72) وقال تعالى
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(النساء:الآية48) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعظم الذنب أن تجعل لله نداً وهو خلقك"(10) . وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن جابر، رضي الله عنه: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار" (11)
فإذا قبل لك: ما الأصول(1) الثلاثة التي يجب على الإنسان . . . . .
-------------------------------------------------
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يدعوا من دون الله نداً دخل النار(12) رواه البخاري واستدل المؤلف رحمه الله تعالى لأمر الله تعالى بالعبادة ونهيه عن الشرك بقوله عز وجل : )وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )(النساء:الآية36) فأمر الله سبحانه وتعالى بعبادته ونهى عن الشرك به، وهذا يتضمن إثبات العبادة له وحده فمن لم يعبد الله فهو كافر مستكبر ، ومن عبد الله وعبد معه غيره فهو كافر مشرك ، ومن عبد الله وحده فهو مسلم مخلص. والشرك نوعان : شرك أكبر ، وشرك أصغر.
فالنوع الأول: الشرك الأكبر وهو كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمناً لخروج الإنسان عن دينه.
النوع الثاني: الشرك الأصغر وهو كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه لا يخرج عن الملة.
وعلى الإنسان الحذر من الشرك أكبره وأصغره فقد قال تعالى
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (النساء:الآية48)
(1)الأصول جمع أصل ، وهو ما يبنى عليه غيره ، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه ، وأصل الشجرة الذي يتفرغ منه الأغصان ، قال الله تعالى
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم:24) .
معرفتها (1) ؟ فقل : معرفة العبد ربه (2) . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...
--------------------------------------------------
وهذه الأصول الثلاثة يشير بها المصنف رحمه إلى الأصول التي يسأل عنها الإنسان في قبره :ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟
(2)أورد المؤلف رحمه الله تعالى هذه المسألة بصيغة السؤال وذلك من أجل أن ينتبه الإنسان لها ؛ لأنها مسألة عظيمة وأصول كبيرة ؛ وإنما قال: إن هذه هي الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها لأنها هي الأصول التي يسأل عنها المرء في قبره إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأقعداه فسألاه من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد، وأما المرتاب أو المنافق فيقول هاه ؛ هاه لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
(2) معرفة الله تكون بأسباب:
منها النظر والتفكر في مخلوقاته عز وجل فإن ذلك يؤدي إلى معرفته ومعرفة عظيم سلطانه وتمام قدرته ، وحكمته ، ورحمته قال الله تعالى: )أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ )(الأعراف:الآية185) وقال عز وجل: )قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)(سـبأ:الآية46) وقال تعالى: )إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ) (آل عمران:190) وقال عز وجل: ) وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)(يونس:الآية6) وقال سبحانه وتعالى : )إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164)
ودينه (1). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
-------------------------------------------------
ومن أسباب معرفة العبد ربه النظر في آياته الشرعية وهي الوحي الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام فينظر في هذه الآيات وما فيها من المصالح العظيمه التي لا تقوم حياة الخلق في الدنيا ولا في الآخرة إلا بها ، فإذا نظر فيها وتأملها وما اشتملت عليه من العلم والحكمة ووجد انتظامها وموافقتها لمصالح العباد عرف بذلك ربه عز وجل كما قال الله عز وجل : )أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .
ومنها ما يلقي الله عز وجل في قلب المؤمن من معرفة الله سبحانه وتعالى حتى كأنه يرى ربه رأي العين قال النبي عليه الصلاة والسلام ، حين سأله جبريل ما الإحسان ؟ قال : "أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".(13)
(1) أي معرفة الأصل الثاني وهو دينه الذي كلف العمل به وما تضمنه من الحكمة والرحمة ومصالح الخلق، ودرء المفاسد عنها ، ودين الإسلام من تأمله حق التأمل تأملاً مبيناً على الكتاب والسنة عرف أنه دين الحق، وأنه الدين الذي لا تقوم مصالح الخلق إلا به ، ولا ينبغي أن نقيس الإسلام بما عليه المسلمون اليوم، فإن المسلمين قد فرطوا في أشياء كثيرة وارتكبوا
ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم (1)
فإذا قيل لك :ربك(2) ؟ فقل : ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه(3) ، . . . .
-------------------------------------------------
محاذير عظيمة حتى كأن العائش بينهم في بعض البلاد الإسلامية يعيش في جو غير إسلامي.
والدين الإسلامي -بحمد الله تعالى- متضمن لجميع المصالح التي تضمنتها الأديان السابقة متميز عليها بكونه صالحاً لكل زمان ومكان وأمة ، ومعنى كونه صالحاً لكل زمان ومكان وأمة : أن التمسك به لا ينافي مصالح الأمة في أي زمان ومكان وأمة ، فدين الإسلام يأمر بكل عمل صالح وينهى عن كل عمل سيء فهو يأمر بكل خلق فاضل ، وينهى عن كل خلق سافل.
(1) هذا هو الأصل الثالث وهو معرفة الإنسان نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، وتحصل بدراسة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان عليه من العبادة ، والأخلاق ، والدعوة إلى الله عز وجل ، والجهاد في سبيله وغير ذلك من جوانب حياته عليه الصلاة والسلام ، ولهذا ينبغي لكل إنسان يريد أن يزداد معرفة بنبيه وإيماناً به أن يطالع من سيرته ما تيسر في حربه وسلمه ، وشدته ورخائه وجميع أحواله نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتبعين لرسوله صلى الله عليه وسلم ، باطناً وظاهراً ، وأن يتوفانا على ذلك إنه وليه والقادر عليه.
(2) أي من هو ربك الذي خلقك ، وأمدك ، وأعدك ، ورزقك .
(3) التربية هي عبارة عن الرعاية التي يكون بها تقويم المربى ، ويشعر
وهو معبودي ليس لي معبود سواه (1) والدليل قوله تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (2) (الفاتحة:2) وكل ما سوى الله عالم
-------------------------------------------------
كلام المؤلف رحمه الله أن الرب مأخوذ من التربية لأنه قال: "الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه" فكل العالمين قد رباهم الله بنعمه وأعدهم لما خلقوا له ، وأمدهم برزقه قال الله تبارك وتعالى في محاورة موسى وفرعون: )قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى* قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طـه:49-50)
فكل أحد من العالمين قد رباه الله عز وجل بنعمه.
ونعم الله عز وجل على عباده كثيرة لا يمكن حصرها قال الله تبارك وتعالى: )وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )(النحل:الآية18) فالله هو الذي خلقك وأعدك ، وأمدك ورزقك فهو وحده المستحق للعبادة .
(1)أي وهو الذي أعبده وأتذلل له خضوعاً ومحبة وتعظيماً ، أفعل ما يأمرني به، وأترك ما ينهاني عنه ، فليس لي أحد أعبده سوى الله عز وجل ، قال الله تبارك وتعالى : )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25) وقال تعالى: )وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5)
(2) أستدل المؤلف رحمه الله لكون الله سبحانه وتعالى مربياً لجميع الخلق بقوله تعالى: )الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2) يعني الوصف بالكمال والجلال والعظمة لله تعالى وحده.
(رب العالمين) أي مربيهم بالنعم وخالقهم ومالكهم ، والمدبر لهم كما شاء عز وجل.
وأنا واحد من ذلك العالم (1) ، فإذا قيل لك بم عرفت ربك (2) ؟ فقل بآياته ومخلوقاته (3) ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما (4) .
--------------------------------------------------
(1) العالم كله من سوى الله ، وسمو عالماً لأنهم علم على خالقهم ومالكهم ومدبرهم ففي كل شيء آية لله تدل على أنه واحد.
وأنا المجيب بهذا واحد من ذلك العالم ، وإذا كان ربي وجب علي أن أعبده وحده.
(2) أي إذا قيل لك: بأي شيء عرفت الله عز وجل؟
فقل: عرفته بآياته ومخلوقاته.
(3) الآيات : جمع آية وهي العلامة على الشيء التي تدل عليه وتبينه.
وآيات الله تعالى نوعان : كونية وشرعية ، فالكونية هي المخلوقات ، والشرعية هي الوحي الذي أنزله الله على رسله ، وعلى هذا يكون قول المؤلف رحمه الله "بآياته ومخلوقاته" من باب عطف الخاص على العام إذا فسرنا الآيات بأنها الآيات الكونية والشرعية. أو من باب عطف المباين المغاير إذا خصصنا الآيات بالآيات الشرعية وعلى كل فالله عز وجل يعرف بآياته الكونية وهي المخلوقات العظيمة وما فيها من عجائب الصنعة وبالغ الحكمة، وكذلك يعرف بآياته الشرعية وما فيها من العدل ، والاشتمال على المصالح ، ودفع المفاسد .
وفـي كـل شـيء لـه آيـة تــدل على أنــه واحــد
(4) كل هذه من آيات الله الدالة على كمال القدرة، وكمال الحكمة ، وكمال الرحمة ، فالشمس آية من آيات الله عز وجل لكونها تسير سيراً منتظماً بديعاً منذ خلقها الله عز وجل وإلى أن يأذن الله تعالى بخراب العالم، فهي تسير لمستقر لها كما قال تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (يّـس:38) وهي من آيات الله تعالى بحجمها وآثارها ، أما حجمها فعظيم كبير ، وأما آثارها فما يحصل منها من المنافع للأجسام والأشجار والأنهار ، والبحار وغير ذلك ، فإذا نظرنا إلى الشمس هذه الآية العظيمة ما مدى البعد الذي بيننا وبينها مع ذلك فإننا نجد حرارتها هذه الحرارة العظيمة ، ثم انظر ماذا يحدث فيها من الإضاءة العظيمة التي يحصل بها توفير أموال كثيرة على الناس فإن الناس في النهار يستغنون عن كل إضاءة ويحصل بها مصلحة كبيرة للناس من توفير أموالهم ويعد هذا من الآيات التي لا ندرك إلا اليسير منها.
كذلك القمر من آيات الله عز وجل حيث قدره منازل لكل ليلة منزلة )وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يّـس:39) فهو يبدو صغيراً ثم يكبر رويداً رويداً حتى يكمل ثم يعود إلى النقص ، وهو يشبه الإنسان حيث أنه يخلق من ضعف ثم لا يزال يترقى من قوة إلى قوة حتى يعود إلى الضعف مرة أخرى فتبارك الله أحسن الخالقين.
والدليل(1) قوله تعالى )وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37) وقوله (2) تعالى:
)إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف:54) .
--------------------------------------------------
(1) أي والدليل على أن الليل والنهار ، والشمس والقمر من آيات الله عز وجل قوله تعالى
} ومن آياته الليل والنهار{ . . . . إلخ أي من العلامات البينة المبينة لمدلولها الليل والنهار في ذاتهما واختلافهما ، وما أودع الله فيهما من مصالح العباد وتقلبات أحوالهم ، وكذلك الشمس والقمر في ذاتهما وسيرهما وانتظامهما وما يحصل بذلك من مصالح العباد ودفع مضارهم .
ثم نهى الله تعالى العباد أن يسجدوا للشمس أو القمر وإن بلغا مبلغاً عظيماً في نفوسهم لأنهما لا يستحقان العبادة لكونها مخلوقين ، وإنما المستحق للعبادة هو الله تعالى الذي خلقهن.
(2) وقوله أي من الأدلة على أن الله خلق السموات والأرض )إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)(الأعراف:الآية54) وفيها من آيات الله:
أولاً : أن الله خلق هذه المخلوقات العظيمة في ستة أيام ولو شاء لخلقها بلحظة ولكنه ربط المسببات بأسبابها كما تقتضيه حكمته .
ثانياً : أنه استوى على العرش أي علا عليه علواً خاصاً به كما يليق بجلاله وعظمته وهذا عنوان كمال الملك والسلطان.
ثالثاً : أنه يغشي الليل النهار أن يجعل الليل غشاء للنهار ، أي غطاء له فهو كالثوب يسدل على ضوء النهار فيغطيه.
رابعاً : أنه جعل الشمس والقمر والنجوم مذللات بأمره جل سلطانه يأمرهن بما يشاء لمصلحة العباد .
خامساً : عموم ملكه وتمام سلطانه حيث كان له الخلق والأمر لا لغيره.
سادساً : عموم ربوبيته للعالمين كلهم.